وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ: «كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ» بِأَنْ تَكْتَسِيَ مَا لَا يَسْتُرُهَا، فَهِيَ كَاسِيَةٌ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ عَارِيَةٌ، مِثْلُ مَنْ تَكْتَسِي الثَّوْبَ الرَّقِيقَ الَّذِي يَصِفُ بَشَرَتَهَا؛ أَوْ الثَّوْبَ الضَّيِّقَ الَّذِي يُبْدِي تَقَاطِيعَ خَلْقِهَا، مِثْلَ: عَجِيزَتِهَا، وَسَاعِدِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا كُسْوَةُ الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا، فَلَا يُبْدِي جِسْمَهَا، وَلَا حَجْمَ أَعْضَائِهَا؛ لِكَوْنِهِ كَثِيفًا وَاسِعًا.
وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ الضَّابِطُ فِي نَهْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَعَنْ تَشَبُّهِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ رَاجِعًا إلَى مُجَرَّدِ مَا يَخْتَارُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَيَشْتَهُونَهُ، وَيَعْتَادُونَهُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إذَا اصْطَلَحَ قَوْمٌ عَلَى أَنْ يَلْبَسَ الرِّجَالُ الْخُمُرَ الَّتِي تُغَطِّي الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْعُنُقَ وَالْجَلَابِيبَ الَّتِي تُسْدَلُ مِنْ فَوْقِ الرُّؤُوسِ، حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْ لَابِسِهَا إلَّا الْعَيْنَانِ، وَأَنْ تَلْبَسَ النِّسَاءُ الْعَمَائِمَ وَالْأَقْبِيَةَ الْمُخْتَصَرَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا سَائِغًا، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلنِّسَاءِ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الْآيَةَ (١).
وَقَالَ: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} الْآيَةَ (٢).
(١) سورة النور، الآية: ٣١.(٢) سورة الأحزاب، الآية: ٥٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute