يقف ابن تيمية رحمه الله كغيره من أئمة السلف موقف الوسط في إثبات الصفات بين المعطلة النفاة من جهة، وبين المثبتة الغلاة الذين شبهوا الله بخلقه من جهة.
وقد بينت - سابقاً - موقفه من النفاة، وسأبين الآن موقفه من المشبهة وهو - كسابقه - موقف الرد والمعارضة والتخطئة (١) ، وإن كان يرى أن من يثبت بعض الصفات كالكلابية (٢) ،
والأشاعرة، ومن يغلو في الإثبات كالكرامية أصح طريقاً وأخف خطأ من المعطلة، ولهذا يضع رحمه الله قاعدة مهمة في الموازنة بين الفرق فيقول:
(ولهذا كان المتكلمة الصفاتية كابن كلاب، والأشعري، وابن كرام خيراً وأصح طريقاً في العقليات والسمعيات من المعتزلة، والمعتزلة خيراً وأصح طريقاً في العقليات والسمعيات من المتفلسفة (٣) ، وإن كان في قول كل من
(١) انظر: شرح حديث النزول ص٢٥٠، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٤/١٤٤. (٢) الكلابية: أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاب القطان البصري (ت ٢٤٠هـ) ، ومن أقوالهم: إن الإيمان لا يتفاضل ولا يزيد ولا ينقص، وأن القرآن معنى قائم بالنفس لا يتعلق بالمشيئة والقدرة، ولابن كلاب مناظرات قوية مع المعتزلة.
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري ١/٢٤٩ - ٢٥٢، الفصل لابن حزم ٤/٢٠٨. (٣) الفلاسفة: هم المنتسبون إلى الفلسفة، وهي كلمة يونانية بمعنى محبة الحكمة، وأكثر الفلاسفة لا يقرون بالخالق، ولا بالنبوات، ولا بالبعث، ويقولون بقدم العالم، ومنهم من يقر ببعضها. انظر: الملل والنحل للشهرستاني تحقيق بدران ٢/٦٢ - ٦٤، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص١٢٦ - ١٢٩، آداب الفلاسفة لحنين بن إسحاق ٣٧ - ٤٥، المدخل إلى معاني الفلسفة لعرفان عبد الحميد ١١ - ٧٤، المدرسة الفلسفية في الإسلام للفيومي ١٤٣ - ١٩٤.