وقال أبو الدَّرداء: لَئِنْ حَلفتُمْ لِي على رجلٍ أنَّه أزهدُكم، لأحلفنَّ لكم أنَّه خيرُكم (١). ويروى عن الحسن، قال: قالوا: يا رسول الله، من خيرُنا؟ قال:«أزهدُكم في الدُّنيا، وأرغبُكم في الآخرة»(٢) والكلام في هذا الباب يطولُ جداً. وفيما أشرنا إليه كفاية إنْ شاء الله تعالى.
الوصية الثانية: الزهدُ فيما في أيدي الناس، وأنَّه موجبٌ لمحبَّة الناس. وروي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه وصَّى رجلاً، فقالَ:«ايأَسْ ممَّا في أيدي النَّاس تكُن غنياً» خرَّجه الطبراني (٣) وغيره.
ويروى من حديث سهل بن سعد مرفوعاً:«شرف المؤمن قيامُه بالليل، وعزُّه استغناؤُه عن الناسِ»(٤).
وقال الحسن: لا تزالُ كريماً على الناس، أو لا يزالُ الناسُ يكرمُونَك ما لم تَعاطَ ما في أيديهم، فإذا فعلتَ ذلك، استخفُّوا بكَ، وكرهوا حديثك، وأبغضوك (٥).
وقال أيوب السَّختياني: لا يَنْبُلُ الرجلُ حتى تكونَ فيه خصلتان: العفَّةُ عمَّا في أيدي الناس، والتجاوزُ عمّا يكون منهم (٦).
وكان عمر يقول في خطبته على المنبر: إنَّ الطمع فقر، وإنَّ اليأس غنى، وإنَّ الإنسانَ إذا أَيِسَ من الشيء استغنى عنه (٧).
وروي أنَّ عبد الله بن سلام لقيَ كعب الأحبار عند عمر، فقال: يا كعب، مَنْ أربابُ العلم؟ قال: الذين يعملون به، قال: فما يذهب بالعلم من قلوب العلماء بعد إذ حفظوه وعقلوه؟ قال: يُذهبه الطمعُ، وشرَهُ النفس، وتطلبُ الحاجات إلى النَّاس، قال: صدقت (٨).
(١) أخرجه: ابن المبارك في " الزهد " (٥٥٠). (٢) أخرجه: البيهقي في " شُعب الإيمان " (١٠٥٢١)، وهو ضعيف لإرساله، والسند إلى الحسن منقطع. (٣) في " الأوسط " (٥٧٧٨)، وإسناده ضعيف جداً، فيه إبراهيم بن زياد العجلي متروك. (٤) أخرجه: الحاكم ٤/ ٣٢٥، وأبو نعيم في " الحلية " ٣/ ٢٥٣، والقضاعي في " مسند الشهاب " (١٥١) و (٧٤٦) من حديث سهل بن سعد، به، وإسناده ضعيف لضعف زافر ابن سليمان. (٥) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٣/ ٢٠. (٦) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٣/ ٥ بنحوه. (٧) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ١/ ٥٠. (٨) أخرجه: ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " ٢/ ٦ بنحوه مُختصراً.