غاب عنه، فقد استوفى أقسامَ الفضل، وأوفى حقوق الدِّين؛ لأنَّ الشرائع لا تخرُج عَنْ هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث. انتهى.
فأما الفرائض، فما فرضه الله على عباده وألزمهم القيام به، كالصلاة والزكاة والصيام والحجِّ.
وقد اختلفَ العلماء: هل الواجبُ والفرضُ بمعنى واحد أم لا؟ فمنهم من
قال: هما سواء، وكلُّ واجب بدليلٍ شرعي من كتابٍ، أو سنةٍ، أو إجماعٍ، أو غير ذلك من أدلة الشرع، فهو فرضٌ، وهو المشهور عن أصحاب الشَّافعي
وغيرهم (١)، وحُكي رواية عن أحمد؛ لأنَّه قال: كلُّ ما في الصلاة فهو فرضٌ.
ومنهم من قال: بل الفرضُ ما ثبتَ بدليلٍ مقطوعٍ به (٢)، والواجبُ ما ثبت بغير مقطوع به، وهو قولُ الحنفيَّةِ وغيرهم (٣).
وأكثرُ النُّصوص عن أحمد تُفرِّق بين الفرض والواجب (٤)، فنقل جماعةٌ
مِنْ أصحابه عنه أنَّه قال: لا يُسمَّى فرضاً إلا ما كان في كتاب الله تعالى، وقال في صدقة الفطر: ما أجترئ أنْ أقول: إنَّها فرضٌ (٥)، مع أنَّه يقول بوجوبها، فمِنْ أصحابنا مَنْ قال: مراده أنَّ الفرض: ما ثبت بالكتاب، والواجب: ما ثبت بالسنَّة، ومنهم من قال: أراد أنَّ الفرض: ما ثبت بالاستفاضة والنَّقل المتواتر، والواجب: ما ثبت مِنْ جهة الاجتهاد، وساغ الخلافُ في وجوبه (٦).