وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» دليلٌ على أنَّ من عَجَزَ عن فعل المأمور به كلِّه، وقدرَ على بعضه، فإنَّه يأتي بما أمكنه منه، وهذا مطرد في مسائل:
منها: الطهارة، فإذا قدر على بعضها، وعجز عن الباقي: إما لعدم الماء، أو لمرض في بعض أعضائه دون بعض، فإنَّه يأتي مِنْ ذلك بما قدر عليه، ويتيمم للباقي، وسواء في ذلك الوضوء والغسل على المشهور (١).
ومنها: الصلاة، فمن عَجَزَ عن فعل الفريضة قائماً صلَّى قاعداً، فإن عجز صلَّى مضطجعاً (٢)، وفي "صحيح البخاري"(٣) عن عِمْرَانَ بن حصين: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال:«صَلِّ قائماً، فإنْ لم تستطع فقاعداً، فإنْ لم تستطع فعلى جنبٍ»، ولو عجز عن ذلك كلِّه، أومأ بطرفه، وصلى بنيته، ولم تسقُط عنه الصلاةُ على المشهور (٤).
ومنها: زكاة الفطر، فإذا قَدَرَ على إخراج بعضِ صاع، لزمه ذلك على الصحيح (٥)،
فأمَّا من قدر على صيامِ بعض النهار دُونَ تكملته، فلا يلزمه ذلك بغير
(١) انظر: الأُم ٢/ ٩٦ - ٩٧، والإشراف على نكت مسائل الخلاف ١/ ١٦٢ - ١٦٣، واللباب ١/ ٣٠ - ٣١، والمحلى ٢/ ٧٥، والهداية للكلوذاني ١/ ٧١ بتحقيقنا، وبداية المجتهد ١/ ٨٦ - ٨٧، والمغني ١/ ٢٦٧، ومنتهى الإرادات ١/ ٣٣. (٢) انظر: المغني ١/ ٨١٣ - ٨١٥. (٣) الصحيح ٢/ ٦٠ (١١١٧). وأخرجه: أحمد ٤/ ٤٢٦، وأبو داود (٩٥٢)، وابن ماجه (١٢٢٣)، والترمذي (٣٧٢)، وابن خزيمة (٩٧٩) و (١٢٥٠)، والدارقطني ١/ ٣٦٩ (١٤١٠) و (١٤١١) و (١٤١٢) (طبعة دار الكتب العلمية)، والبيهقي ٢/ ٣٠٤، والبغوي (٩٨٣). (٤) انظر: رؤوس المسائل في الخلاف ١/ ١٩٢، والهداية للكلوذاني ١/ ١٢٤ بتحقيقنا، والمغني ١/ ٨١٧، ومنتهى الإرادات ١/ ١٢٠. (٥) انظر: رؤوس المسائل في الخِلاف ١/ ٣٠٧، والمغني ٢/ ٦٥٢، قال الإمام الكلوذاني - رحمه الله -: زكاة الفطر واجبة على كل مسلم فضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع، =
= … وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين. انظر: الهداية للكلوذاني ١/ ١٧٥ بتحقيقنا. جاء في الشرح الكبير علىالمغني: إحداهما: لا يلزمه، وهو اختيار ابن عقيل؛ لأنها طُهرة فَلا تجب على من يعجز عن بعضها كالكفارة. والثانية: يلزمه؛ لأنها طهرة فوجب منها ما قَدر عليه. انظر: الشرح الكبير على المغني ٢/ ٦٤٩.