لم تترك هذه الآيةُ خيراً إلاَّ أَمرت به، ولا شرّاً إلاَّ نَهَتْ عنه (١).
والثَّاني: ما هو في كلامه - صلى الله عليه وسلم -، وهو موجودٌ منتشرٌ (٢) في السُّنن المأثورةِ عنه - صلى الله عليه وسلم -. وقد جمع العُلماء جموعاً من كلماتِه - صلى الله عليه وسلم - الجامِعَةِ، فصنَّف الحافظُ (٣) أبو بكر بن السُّنِّيِّ (٤) كتاباً سماه: " الإيجاز وجوامع الكلم مِنَ السُّنَن المأثورة "، وجمع القاضي أبو عبدِ الله (٥) القُضاعي مِنْ جوامع الكلم الوجيزة كتاباً سمَّاه: " الشهاب في الحِكَم والآداب "(٦)، وصنَّفَ على مِنوالِه (٧) قومٌ آخرون، فزادُوا على ما ذكره زيادةً كثيرةً، وأَشار الخطَّابيُّ في أوَّل كتابه " غريب الحديث "(٨) إلى يسير من الأحاديث الجامعة.
وأملى الإمامُ الحافظُ أبو عمرو بنُ الصَّلاحِ - رحمه الله - مجلساً سمَّاه " الأحاديث الكلّيَّة " جمع فيه الأحاديثَ الجوامعَ التي يُقال: إنَّ مدارَ الدِّين عليها، وما كان في معناها مِنَ الكلمات الجامعةِ الوجيزةِ، فاشتمل مجلسهُ هذا على ستَّةٍ وعشرين حديثاً.
ثمَّ إنَّ الفقيهَ الإمامَ الزَّاهِدَ القُدوةَ أبا زكريا يحيى النَّوويَّ -رحمةُ اللهِ عليهِ- أخذَ هذه الأحاديثَ التي أملاها ابنُ الصَّلاحِ، وزادَ عليها تمامَ اثنينِ وأربعينَ حديثاً، وسمى كتابه بـ " الأربعين "، واشتهرت هذه الأربعون التي جمعها، وكَثُرَ حفظُها، ونفع الله بها ببركة نيَّة جامِعِها، وحُسْنِ قصدِه - رحمه الله -.
وقد تكرَّر سؤالُ جماعةٍ مِنْ طلبةِ العلمِ والدِّينِ لتعليق شرح لهذه الأحاديث المُشار إليها، فاستخرتُ الله - سبحانه وتعالى - في جمع كتابٍ يتضمَّنُ شرح ما يُيسِّرُه الله تعالى
(١) أخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (١٤٠). (٢) في (ج): «منتشر موجود». (٣) سقطت من (ص). (٤) زاد بعدها في (ص): «من السنن». (٥) عبارة: «القاضي أبو عبد الله» لم ترد في (ص). (٦) في (ص): «الشهاب والآداب في الحكم»، وهو المعروف بـ " مسند الشهاب " المطبوع في مؤسسة الرسالة تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. (٧) في (ص): «أقواله». (٨) ١/ ٦٤ - ٦٧.