أيضاً من حديث جابر - رضي الله عنه -، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بلفظ حديث أبي هريرة الأوَّل وزاد في آخره: ثم قرأ: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ} (١).
وخرّج أيضاً (٢) من حديث أبي مالك الأشجعي، عن أبيه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ:«مَنْ قالَ: لا إله إلاَّ الله وكَفَرَ بما يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ حُرِّمَ مالُه ودَمُه
وحسابه على الله - عز وجل -».
وقد رُوي عن سفيان بن عُيينة أنَّه قال: كان هذا في أوَّل (٣) الإسلام قَبْلَ فرض الصلاة والصيام والزكاة والهجرة، وهذا ضعيف جداً، وفي صحته عن سفيان نَظَر، فإنَّ رواة هذه الأحاديث إنما صحبوا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وبعضُهُم تأخَّر إسلامُه.
ثم قوله:«عَصَمُوا منِّي دماءهُم وأموالَهُم» يدلُّ على أنَّه كان عند هذا القول مأموراً بالقتال، وبقتل من أبى الإسلام، وهذا كُلُّه بعد هجرته إلى المدينة، ومن المعلوم بالضرورة أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل مِنْ كل منْ جاءه يريدُ الدخولَ في الإسلامِ الشهادتين فقط، ويَعْصِمُ دَمَه بذلك، ويجعله مسلماً، فقد أنكر على أسامة بن زيد قتلَه لمن قال: لا إله إلا الله، لما رفع عليه السيفَ، واشتدَّ نكيرُه عليه (٤).
ولم يكن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يشترطُ على مَنْ جاءه يريدُ الإسلامَ أنَّ يلتزمَ الصلاة والزكاة، بل قد روي أنَّه قبل من قومٍ الإسلام، واشترطوا أنْ لا يزكوا، ففي " مسند الإمام
أحمد " (٥) عن جابر قال: اشترطت ثقيفٌ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ لا صدقةَ عليها ولا جهادَ، وأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«سَيَصَّدَّقُون ويُجاهدون».
(١) الغاشية: ٢١ - ٢٢. (٢) صحيح مسلم ١/ ٣٩ (٢٣) (٣٧) و ١/ ٤٠ (٢٣) (٣٨). (٣) في (ص): «بدو». (٤) أخرجه: أحمد ٥/ ٢٠٠ و ٢٠٧، والبخاري ٥/ ١٨٣ (٤٢٦٩)، ٩/ ٤ (٦٨٧٢)، ومسلم ١/ ٦٧ (٩٦) (١٥٨) و ١/ ٦٨ (٩٦) (١٥٩)، وأبو داود (٢٦٤٣)، والنسائي في " الكبرى " (٨٥٤٠) و (٨٥٤١) من حديث أسامة بن زيد، به. (٥) المسند ٣/ ٣٤١. وأخرجه: أبو داود (٣٠٢٥)، والبيهقي في " دلائل النبوة " ٥/ ٣٠٦، وهو حديث صحيح.