الْبَاقِي (١).
وَالْكُرْسِيُّ فَوْقَ الْأَفْلَاكِ كُلِّهَا، وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ، وَنسْبَةُ الْأَفْلَاكِ وَمَا فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَة فِي فَلَاةٍ، وَالْجُمْلَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَرْشِ كَحَلْقَة فِي فَلَاةٍ.
وَالْأَفْلَاكُ مُسْتَدِيرَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالأجْمَاعِ؛ فَإِنَّ لَفْظَ "الْفُلْكِ" يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِدَارَةِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٤٠]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي فَلْكَةٍ كَفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُم: تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارَيةِ إذَا اسْتَدَارَ، وَأَهْلُ الْهَيْئَةِ وَالْحِسَابِ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْعَرْشُ فَإِّنهُ مُقَبَّبٌ (٢)؛ لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُد (٣) عَن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ، وإنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ وَأَرْضِهِ كلهَكَذَا" وَقَالَ بِأُصْبُعِهِ مِثْل الْقُبَّةِ.
وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ فَلَكٌ مُسْتَدِيرٌ مُطْلَقًا؛ بَل ثَبَتَ أَنَّهُ فَوْقَ الْأَفْلَاكِ، وَأَنَّ لَهُ قَوَائِمَ؛ كَمَا جَاءَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٤) عَن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأنبِيَاء؛ فَإنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأكُونُ أَوَّلَ مَن يُفِيقُ، فَإِذَا أتا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِن قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ".
(١) قال الشيخ في موضع آخر: السَّمَوَاتُ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَد حَكَى إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ؛ مِثْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ أحْمَد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي أَحَدِ الْأعْيَانِ الْكِبَارِ مِن الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِن أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد، وَلَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ، وَحَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، وَأَبو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَرَوَى الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ بِالْأسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ عَن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَكَرُوا ذَلِكَ مِن كِتَاب اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ، وَإِن كَانَ قَد أقِيمَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا دَلَائِلُ حِسَابِيَّةٌ، وَلَا أعْلَمُ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفينَ مَن أنْكَرَ ذَلِكَ. اهـ.(٢) أي: مَبنيّ على شكل قُبَّة. والقبة: بناء مستدير مقوس.(٣) (٤٧٢٦)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.(٤) البخاري (٢٤١٢)، ومسلم (٢٣٧٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute