وَالْأَصْلُ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُم وَأَعْرَاضَهُم مُحَرَّمَةٌ مِن بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، لَا تَحِلُّ إلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خَطَبَهُم فِي "حَجَّةِ الْوَدَاعِ" "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا" (١).
وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ مُتَأَوِّلًا فِي الْقِتَالِ أَو التَّكْفِيرِ لَمْ يُكَفَّرْ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بلتعة: يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ (٢).
وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٣) عَن أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا بَعْدَ مَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَعَظَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَهُ وَقَالَ: "أقَتَلْته بَعْدَ مَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ؟ ".
وَمَعَ هَذَا لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قَوَدًا، وَلَا دِيَةً، وَلَا كَفَّارَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا، ظَنَّ جَوَازَ قَتْلِ ذَلِكَ الْقَائِلِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قَالَهَا تَعَوُّذًا.
فَهَكَذَا السَّلَفُ قَاتَلَ بَعْضُهُم بَعْضًا مِن أهْلِ الْجَمَلِ وصفين وَنَحْوِهِمْ وَكُلُّهُم مُسْلِمُونَ مُؤْمِنُونَ.
وَلهَذَا كَانَ السَّلَفُ مَعَ الِاقْتِتَالِ يُوَالِي بَعْضُهُم بَعْضًا مُوَالَاةَ الدِّينِ، لَا ئعَادُونَ كَمُعَادَاةِ الْكُفَّارِ، فَيَقْبَلُ بَعْضُهم شَهَادَةَ بَعْضٍ، وَيَأْخُذُ بَعْضُهُم الْعِلْمَ عَن بَعْضٍ، وَيتَوَارَثُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ، وَيَتَعَامَلُونَ بِمُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُم مِن الْقِتَالِ وَالتَّلَاعُنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
هَذَا مَعَ أَنَّ اللهَ أَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف، وَنَهَى عَن الْبِدْعَةِ وَالِاخْتِلَافِ ..
قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ" (٤).
(١) رواه البخاري (٦٧)، ومسلم (١٢١٨).(٢) رواه البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤).(٣) البخاري (٤٢٦٩)، ومسلم (٩٦).(٤) رواه النسائي (٤٠٢٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute