وَلهَذَا كَانَ الْإِيمَانُ بِدُونِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ وَيدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَالْقُرْآنُ بِلَا إيمَانٍ لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ، بَل صَاحِبُهُ مُنَافِقٌ.
ثُمَّ قَالَ: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً} [الأحقاف: ١٢]، فَقَوْلُهُ: {وَمِنْ قَبْلِهِ} [الأحقاف: ١٢] الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْقُرْآنِ؛ أَيْ: مِن قَبْلِ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ زيدٍ، وَقِيلَ: يَعُودُ إلَى الرَّسُولِ كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ.
وقَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِه} [هود: ١٧] أَيْ: كُلُّ مَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ فَإِنَّهُ يُؤْمِن بِالشَّاهِدِ مِن اللهِ، وَالْإِيمَانُ بِهِ إيمَان بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى، قَالَ: {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِه} وَهُم الْمُتَّبِعُونَ لِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مِن أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}، وَالْأَحْزَابُ هُم أَصْنَافُ الْأُمَمِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا وَصَارُوا أَحْزَابًا.
وَقَوْلُه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هود: ١٧] كَمَن لَمْ يَكنْ؟.
وَأَمَّا مَن قَالَ: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هود: ١٧] إنَّهُ مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم- كَمَا قَالَهُ طَائِفَة مِن السَّلَفِ، فَقَد يُرِيدُونَ بِذَلِكَ التَّمْثِيلَ لَا التَّخْصِيصَ، فَإِنَّ الْمُفَسِّرِينَ كَثِيرًا مَا يُرِيدُونَ ذَلِكَ، وَمُحَمَّد هُوَ أَوَّلُ مَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ وَتَلَاهُ شَاهِدٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْأنْبِيَاءُ، وَهُوَ أَفْضَلُهُم وَإِمَامُهُمْ، وَالْمُؤمِنُونَ تَبَعٌ لَهُ، وَبِهِ صَارُوا عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِمْ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهَا (١) تَرْجِعُ إلَى "مِنْ"، أَو تَرْجِعُ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَالْبَيِّنَةُ يُرَادُ بِهَا الْقُرْآنُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ الشَّاهِدَ مِن الْقُرْآنِ. [١٥/ ٦٢ - ٩٠]
= وقد ردّ الشيخ على من فسر التلاوة بمعنى القراءة وقال: وَاَلَّذِينَ قَالُوا هَذ الْأقْوَالَ إنَّمَا أتَوْا مِن جِهَةِ قَوْلِهِ: {وَيَتْلُوهُ} فَظَنوا أنَّ تِلَاوَتَهُ هِيَ قِرَاءَتُهُ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْقُرْآنِ ذِكْرٌ، ثُمَّ جَعَلَ هَذَا يَقُولُ جِبْرِيلُ تَلَاهُ، وَهَذَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ، وَهَذَا تقُولُ لِسَانُهُ!وَالتِّلَاوَةُ قَد وُجِدَتْ فِي الْقُرْآنِ وَاللغَةُ الْمَشْهُورَة بِمَعْنَى الِاتِّبَاعِ، وَكَثِيرٌ مِن الْمُفَسِّرِينَ لَا يَذْكُرُ فِي هَذ الْآيَةِ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ، فَيَبْقَى النَّاظِرُ الْفَطِنُ حَائِرًا. اهـ. (١٥/ ٨٨).(١) أي: "هـ" يَتْلُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute