وَلَا بُدَّ لِمَن أَكثَرَ مِن ذِكْرِ اللهِ أَنْ يُثْمِرَ لَه ذَلِكَ مَحَبَّتَهُ، وَالْمَحَبَّةُ مَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْخَوْفِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ صَاحِبَهَا بَل تَضُرُّهُ؛ لِأنَّهَا تُوجِبُ التواني وَالِانْبِسَاطَ، وَرُبَّمَا آلَتْ بِكَثِيرٍ مِن الْجُهَّالِ الْمَغْرُورِينَ إلَى أَن اسْتَغْنَوْا بِهَا عَن الْوَاجِبَاتِ.
وَلَقَد حَدَّثَنِي رَجُلٌ أنَّه أَنْكَرَ عَلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ خَلْوَةً لَهُ تَرَكَ فِيهَا الْجُمُعَةَ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: أَلَيْسَ الْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: إذَا خَافَ عَلَى شَيءٍ مِن مَالِهِ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ تَسْقُطُ؟
فَقَالَ لَهُ: بَلَى.
فَقَالَ لَهُ: فَقَلْبُ الْمُرِيدِ أَعَزُّ عَلَيْهِ مِن عَشَرَةِ دَرَاهِمَ -أَو كَمَا قَالَ-؟ وَهُوَ إذَا خَرَجَ ضَاعَ قَلْبُهُ، فَحِفْظُهُ لِقَلْبِهِ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْجُمُعَةِ فِي حَقِّهِ! فَقَالَ لَهُ: هَذَا غُرُورٌ، بل (١) الْوَاجِبُ الْخُرُوجُ إلَى أَمْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْغُرُورَ الْعَظِيمَ كَيْفَ أَدَّى إلَى الِانْسِلَاخِ عَن الْإسْلَامِ جُمْلَةً، فَإِنَّ مَن سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ انْسَلَخَ عَن الْإِسْلَامِ الْعَامِّ كَانْسِلَاخِ الْحَيَّةِ مِن قِشْرِهَا، وَهُوَ يَظنُّ أَنَّهُ مِن خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ.
وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .. الِاعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ:
أ- تَارَةً بِأَنْ يَسْأَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ سُؤَالُهُ مِن الْمَعُونَةِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ (٢).
ب- وَتَارَةً: يَسْأَلُ مَا لَا يَفْعَلُة اللهُ، مِثْل أَنْ يَسْأَلَ تَخْلِيدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
ج- وَفُسِّرَ الِاعْتِدَاءُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ أَيْضًا فِي الدُّعَاءِ.
د- وَمِن الْعُدْوَانِ أَنْ يَدْعُوَهُ غَيْرَ مُتَضَرِّعٍ؛ بَل دُعَاءُ هَذَا كَالْمُسْتَغْنِي الْمُدَلِّي عَلَى رَبِّهِ، وَهَذَا مِن أَعْظَمِ الِاعْتِدَاءِ لِمُنَافَاتِهِ لِدُعَاءِ الذَّلِيلِ، فَمَن لَمْ يَسْأَلْ مَسْألَةَ
(١) في الأصل: (بِك)، والتصويب من بدائع الفوائد (٣/ ٨٥١).(٢) والدعاء على غيره بغير حق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute