الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ» فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ» (١).
هَذَا الشَّاهِدُ، قَولُهُ: «سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ» الشَّاهِدُ مِنْ ذِكْرِها: «وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ».
وَهذَا مِنهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ تَنْبِيهٌ لَهُمْ أنْ يَتَيقَّنُوا هَذَا الأَمرَ وَيَعقِلُوهُ، وَلِهذَا كَرَّرهُ عَليْهِم «أَيُّ شَهْرِ هَذَا؟ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؛ لِيَنتَبِهُوا لِهذَا الأَمرِ العَظِيمِ وَيَعْقلُوهُ وَيَنقِلُوهُ عَنهُ وَيُبلِّغُوهُ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
وَأنَّ دِمَاءَ النَّاسِ دِمَاءَ المُسْلمِينَ وَأَمْوالَهُم -يَعنِي: وَالمَعْصومِينَ- وَأَعْراضَهُم عَلَيهِم حَرَامٌ كَحُرمَةِ مَكَّةَ الحَرمِ، وَكَحُرمَةِ ذِي الحجَّةِ الشَّهرِ الحَرَامِ، وَكحُرْمةِ يَومِ النَّحرِ فِي شَهرِ ذِي الحِجَّةِ، وهُوَ يَومُ الحَجِّ الأَكْبرِ؛ لِيعْرِفَ المُسلِمُونَ عَظمَةَ هذِهِ الأَشْياءِ، فَيتَّقُوهَا وَيَحذَرُوهَا؛ فَلَا يَظْلمُوا النَّاسَ فِي دِمائِهِم، وَلَا فِي أَمْوالِهِم، وَلَا فِي أَعْراضِهِم.
وقَالَ: «وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضِكُمْ» هَكَذا جَاءَ فِي الرِّوَايةِ، وَجَاءَ فِي الرِّوايَةِ الأُخرَى بِالجَزمِ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ» (٢)، فِي «الصَّحِيحَينِ» بِالجَزمِ فِي الثَّلَاثِ: الدِّمَاءِ وَالأَمْوالِ وَالأَعْراضِ، فَالوَاجِبُ الحَذرُ منَ التَّعدِّي عَلَى هذِهِ الثَّلَاثِ، أَعْظمُهَا الدَّمُ، ثمَّ المَالُ، ثمَّ العِرضُ، نَسْألُ اللهَ العَافِيةَ.
(١) ورواه مسلم (١٦٧٩).(٢) رواه البخاري (٦٧)، ومسلم (١٦٧٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute