خذا من لذيذ العيش ما رق أو صفا … ونفسيكما عن باعث الهم فاصرفا
ألم تعلما أن الهموم قواتل وأحجى … الورى (١) من كان للنفس منصفا
خليلي إن العيش بيضاء طفلة … إذا رشف الظمآن ريقتها اشتفى
من المشرقات الآنسات كأنها … سقته نردى توسطت الجفا
أتاه كأن البدر ألقى ضياءه … عليها وردتها الغزالة مطرفا
إذا خطرت هزت من السمر عاملا … وإن نظرت سلت من البيض مرهفا
وتفتر عن أحوى اللثاث لحاله … حصا بردا وأقحوانا مرففا
خليلي إني رضت دهري وراضني … وجريت أحوال الرجال مكشفا
وكم قد سرحت النفس في شهواتها … وكنت لأخدان الصبابة مألفا
وجررت ذيل اللهو في مسرح الصبا … ونازعت أرباب البطالة قرقفا
معتقة شهباء عطرية الشذا … إذا شجها الساقي كأن بارق خفا
وقد طال ما أنصبت راحلة الهوى … ليالي كان الدهر بالوصل معفا (٢)
وبت أعاطي الراح بيضاء خرعبا … مبتلة أو ذا احورار منطفا
أعن إذا عازلته رق لفظه … وأصحب أو جمشته لأن معطفا
كأن السلاف البابلي أعاره ال … رضاب وسحبان الفصاحة متحفا
إذا وسنت أجفانه استيقظ الهوى … ونبه وجدا يوقظ الصب إن غفا
بميل به راح الجمال فينثني … دلالا ويكسو البان قدا مهفهفا
سقى الله أرض الجامعين وتربها … من الغيث هطال (٣) العشيات أو طفا
إذا اصطبحت فيه الرعود تضاحكت … عقائق أضحى برقها متكشفا
وحنت به نيب القطار وأورمت … روا عنه حين ازلأم وردفا
وألقى على عام الرواتي بقاعة … وجللها الزهر النضير وألحفا
محل به انصنى الزمان شبيبتي … وخط عذاري بالمشيب ونصفا
فلما رأيت الأمر قد جد جده … ونكر ما قد كان بالأمس عرفا
(١) في الأصل: «رضيت الورى».
(٢) هكذا في الأصل.
(٣) في الأصل: «عطال».