حاجبه الأيمن، قال: ثم قلنا له: سل النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له: يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا؟ قال: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب، قال: فقال: " أي ثكلتك أمك، هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف، لم يصبحوا يتعلقون منها بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم، ألا وأن من ذهاب العلم أن يذهب حملته (ثلاث مرات) » (١) .
يقول الحافظ النووي أثناء شرحه لحديث عبد الله بن عمرو السابق: " هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس محوه من صدور حفاظه ولكن معناه: أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالتهم فيضلون ويضلون " (٢) .
وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في زمان من قبل فكيف بزماننا، قال ابن بطال (٣) " وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل، وألقي الشح في القلوب وعمت الفتن وكثر القتل " (٤) . من أجل هذا حث السلف على طلب العلم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:«عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه ذهاب أهله، وعليكم بالعمل، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه، وعليكم بالعلم، وإياكم والتنطع والتعمق، وعليكم بالعتيق»(٥) . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:«ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، فتعلموا قبل أن يرفع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء»(٦) . وقد ظهر مصداق هذا كله في زماننا ولم يبق العلم إلا في أناس قليل، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: (٣ / ٢٦٦) ، والدارمي في سننه (١ / ٦٨) مختصرا. (٢) شرح صحيح مسلم للنووي: (١٦ / ٢٢٤) . (٣) هو أبو الحسن علي بن خلف بن بصاد القرطبي، كان من أهل العلم والمعرفة، شرح صحيح البخاري، ينقل عنه الحافظ ابن حجر كثيرا، توفي سنة ٤٤٩ هـ. سير أعلام النبلاء (١٨ / ٤٧) ، شذرات الذهب (٣ / ٢٨٣) . (٤) انظر: كتاب فتح الباري لابن حجر: (١٣ / ١٦) . (٥) أخرجه أبو داود في سننه: (٤ / ٦٣) . (٦) أخرجه الدارمي في سننه: (١ / ٦٩) ، وابن عبد البر في جامع ببان العلم وفضله ص (٢٠٧) .