القرينة الثانية: أنّ ورود ذكر الشكوى في الحديث وتفسيرها، والتعليل له، وقصْر النَّفَسِ على نَفَسَين اثنين فقط =كل ذلك حارسٌ مِن توهمِّ جريان الخبر على غير ظاهره الحقيقي؛ و كلّ ذلك مما يُضعف جانب القول بالمجاز؛ لخروجه عن المألوف في استعماله. (١)
القرينة الثالثة: أنه لا مانع يمنع من إجراء الحديث على ظاهره؛ لصلاحية قُدرة الرب لذلك.
وقد جاءت الأدلة بما يَشْهدُ لهذا المعنى؛ ومن ذلك: ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(يَخْرجُ عُنُقٌ من النَّار يوم القيامة، لها عينان تُبْصران، وأُذنان تسمعان، ولسان ينطق؛ يقول: إني وُكِّلت بثلاثةٍ: بكل جبارٍ عنيدٍ، وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمُصوِّرين)(٢) .
وكذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تحاجّت الجنة والنار، فقالت النَّار: أوثرتُ بالمتكبرين والمتجبّرين. وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسَقَطُهم؟ .. )(٣) الحديث.
وغيرها من الدلائل المعضدة لهذا المعنى.
فلهذه القرائن كان القول بإجراء الحديث على ظاهره هو أَسعد القولين بالصواب. قال الإمام ابن عبد البر: (وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اشتكت
(١) انظر " فتح الباري " (٢/ ٢٦) . (٢) أخرجه أحمد (٢/ ٩٥)،والترمذي كتاب "صفة جهنم"،باب"ما جاء في صفة النار" (٤/ ٦٠٤ - رقم [٢٥٧٤])،وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة" (٢/ ٣٩) . (٣) رواه البخاري في صحيحه، كتاب " التفسير " باب " قوله تعالى {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)} " (١٠٣٩ - رقم (٤٨٥٠) ط/السلام) ومسلم في كتاب: " في الجنة ونعيمها " باب:"النَّار يدخلها الجبَّارون، والجنة يدخلها الضعفاء" (٤/ ٢١٨٦ - رقم [٢٨٤٦]) .