تُدار المسائل التي انطوى عليها هذان الحديثان في قضيتين:
الأولى: بيان معنى كون شدة البرد والحر من جهنم.
الثانية: بيان معنى شكوى النار إلى ربِّها.
فأما القضية الأولى:
فقد اختلف أهل العِلْم في معنى كون شدة البر والحَرِّ من جهنم؛ من حيث حمل الحديث على الحقيقة أو المجاز = على قوليْن:
القول الأوَّل: أَن شدة البرد والحر الحاصلان في الأرض من جَهنَّم حقيقة.
القول الثاني: أن ذلك من مجاز التشبيه؛ أي: كأن الزمهرير وشدة الحر من جَهَنَّم.
والقول الأول: ذهب إليه جَمْهرةٌ من المحققين (١) .
قال القاضي عياض - رحمه الله -: «اختُلف في معنى قوله: (اشتكت النار إلى ربها .. ) الحديث، وقولِهِ:(فإن شدة الحرِّ من فيح جهنَّم) فحمله بعضهم على ظاهره. وقال: شكواها حقيقة [و](٢) أن شدة الحر من وهج جهنم حقيقة؛ على ما جاء ما في الحديث، وأن الله أذن لها بنفَسين: نَفَسٍ في الصيف، ونَفَسٍ في الشتاء ... وقيل: إنه كلام خَرَج مخرج التشبيه والتقريب ... وكلا الوجهين (٣) ظاهر، والأول أَظهر، وحمْلُه على الحقيقة أولى) (٤) .
(١) انظر: " التمهيد " لابن عبد البر (١/ ٢٦٣)، و" إكمال العلم " للقاضي عياض (٢/ ٥٨٢ - ٥٨٣)، و" المسالك شرح موطأ مالك " لابن العربي (١/ ٤٥٦)، و" شرح صحيح مسلم " للنووي (٥/ ١٢٠)، و" المفهم " للقرطبي (٢/ ٢٤٤)، و" فتح الباري " لابن رجب (٣/ ٧٠)، و" فتح الباري " لابن حجر (٢/ ٢٤) . (٢) ما بين المعقوفتين زيادة ليستقيم بها الكلام. (٣) يعني الحقيقة والمجاز. (٤) " إكمال المعلم " (٢/ ٥٨٢ - ٥٨٣) .