وإنكار الأشاعرة تأثير الأسباب في مسبباتها؛ راموا به تحقيق الربوبية، في حين أنّه في حقيقة الأمر يعود على ما قصدوه بالإبطال؛ فإنه أقرب إلى نفْي الخالق من أن يدلّ على وجوده وكمال ربوبيّته. وبهذه الثغرة استطالت عليهم الفَلاسِفةُ، فهذا أبو الوليد ابن رُشْد يشغب عليهم بما قرروه بقوله:«وبالجملة؛ فكما أن من أنكر وجود المسبّبات مُرَتَّبةً على الأسبْابِ في الأُمور الصناعية، أو لم يدركها فهْمُه؛ فليس عنده علم بالصناعة، ولا الصانع = كذلك من جحد وجود ترتيب المسببات على الأسباب في هذا العالَم؛ فقد جحد الصانع الحكيم -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- ... [و] متى رفعْنا الأسباب والمسببات؛ لم يكن ها هنا شيءٌ يُردّ به على القائلين بالاتفاق - أعني: الذين يقولون: لا صانع ها هنا-، وأن جميع ما حدث في هذا العالَم إنما هو من الأسباب المادية؛ لأن أحد الجائزَيْن هو أحقّ أن يقع عنه الاتفاق منه أن يقع عن فاعلٍ مختار ... »(٢) .
وأما بطلان الأصل الثاني: فإنّ ما ذكروه من جواز فعل كلّ مقدور