فهذان الأصلان لم ينازع فيهما أحدٌ من أهل القبلة؛ إلَّا طائفتان القدَرية الغلاة والفلاسفة، فأما القدرية الغلاة فإنهم أنكروه وزعموا أنَّ الأمر أُنُف - أي: مستأنف لم يجر به قَدَر سابق من الله عز وجل -؛ لذا تبرأ منهم ابن عمر - رضي الله عنه -، كما ثبت ذلك عنه في الصحيح (١) . وقد نَصّ الأئمة كالشافعي وأحمد على تكفير من أنكرهما (٢) . وأَمَّا الفلاسفةُ فقد ذهب طائفة منهم كـ"ابن سينا" إلى أنَّ الله تعالى لا يعلم الكُليَّات والجُزئيات، إلاّ على وجه كُلِّيٍّ يتقدَّس عن الزَّمان والدهر (٣) .
المرتبة الثالثة: إِثبات المشيئة النافذة في خلقه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وجميع ما يقع من الحوادث فقد شاءه وأراده الله تعالى قدَرًا، ولم يُرِدْه شرعًا؛ لأن الإرادة الخَلْقية الكونية لا تستلزم رضا الرب ومحبته.