قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - معلِّقًا على هذا الحديث:(فقد كفانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر هذه المسألة، وأغنانا عن أقوال الناس؛ حيث صرّح بإعادة الرُّوح إليه)(١) .
ومَنْعُ أبي محمد ابن حزمٍ - رحمه الله - من عودة الرُّوح إلى جسد الميت، يحتمِلُ حقًّا وباطلًا.
فأمّا الحقُّ: فامتناعُ عودة الحياة المعهودة في الدنيا إلى البدن، تلك العودة التي تُدبِّرُ فيها الرُّوح البدنَ، وتحتاج معها إلى طعامٍ وشراب = فالعودةُ بهذا المعنى خطأٌ، كما قال.
وأمّا المعنى الباطل الذي يحتمله كلامه =فمنْعُه من إعادة الرُّوح إلى البدن إعادةً غير الإعادة المألوفة في الدنيا؛ ليجري للميت السؤال والامتحان. = فهذه الإعادة حقّ. والدليل أَبانَ عن ذلك، والعقلُ لا يُحِيلُه. ومنْعُ ابنِ حزْم لها خطأٌ، ولا رَيْب (٢) .
وقد أورد الإمام ابنُ رجب - رحمه الله - آثارًا كثيرةً عن السَّلف، تشهدُ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -، وأعقَب ذلك بقوله:(فهؤلاء السلف كلهم صرّحوا بأن الرُّوح تُعاد إلى البدن عند السؤال، وصرّح بمثل ذلك طوائفُ من الفقهاء والمتكلّمين من أصحابنا وغيرهم؛ كالقاضي أبي يعلى، وغيره. وأنكر ذلك طائفةٌ؛ منهم: ابن حزم، وغيره. وذكر أن السؤال للروح خاصّة، وكذلك سماع الخطاب، وأنكر أن تعاد الرُّوح للجسد في القَبْر؛ للعذاب، وغيره.
وقالوا: لو كان ذلك حقًّا لَلَزِم أن يموت الإنسان ثلاث مرات، ويحيا ثلاث مرات، والقُرآن دلّ على أنهما موتتان وحياتان (٣) = وهذا
(١) "الرُّوح" (٦١) . (٢) المصدر السابق (٦٤) . (٣) يشيرون إلى قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} غافر: ١١.