وغيرهم كثيرٌ من أَهل العلم؛ الَّذين نقلوا الإجماع على ذلك.
فإِن قيل: يُنَاكِدُ هذا الإجماعَ المنقولَ = حكايةُ أبي محمد بن حزم ـ - رحمه الله - ـ الخلافَ في هذه المسألة. فكيف تصحّ دعوى الإجماع حينئذٍ؟
فيقال: أَمَّا حكاية ابن حزم ـ - رحمه الله - ـ الخلاف في نزول عيسى - عليها السلام -: وذلك بقوله: «اتّفقوا ... أنه لا نبيَّ مع محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا بعده أبدًا. إلاّ أنَّهم اختلفوا في عيسى - عليها السلام -: أَيأتي قبل يوم القيامة أم لا؟ وهو عيسى بن مريم المبعوث إلى بني إسرائيل قبل مبعث محمد - عليها السلام -»(١) =فَوهْمٌ منه ـ - رحمه الله - ـ خَالفَ فيه أَهل العلم الذين حكَوْا الإجماعَ , ولم يخالف ذلك إلاّ من لا يُعْتَدّ بخلافه من الملاحدة والمبتدعة ـ وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله ـ. ولذا قال "الأُبيّ " متعقّبًا ابنَ حزم: «فما ذَكر ابنُ حزمٍ من الخلاف في نزوله = لا يصحُّ»(٢) .
وممّا يدلك على أَنَّ حكايته للخلاف وَهْمٌ منه ـ - رحمه الله - ـ أمران:
الأول: أنه حكى الخلاف ولم يُسَمِّ المخالف. وتسمية المخالف أمرٌ له شأنه.
الثاني: أنه نَقَل الإجماعَ على نزوله - عليها السلام - في كتابه الموسوم بـ " الدُّرَّة "؛ حيث قال:«وقد صَحّ النَّصُّ، وإجماعُ القائلين بنزوله ـ وهم أهل الحقِّ ـ أنّه إذا نزل لم يبقَ نصرانيٌّ أَصلًا إلا أسلموا»(٣) .
فَعُلِم بذلك خطؤُه فيما ذكر من الخلاف. وعندئذٍ يتحصل للمتأمل: أنَّ الإجماع على بَابِهِ لا يُعرَف له مخالف , ومُحالٌ أن تُجمِع الأمة على ضلالة. ومستند هذا الإجماع - بالإضافةِ إلى ما تقدم ذكره من الأحاديث الصحيحة الصريحة في رفع عيسى - عليها السلام - ونزوله- = دلائل الكتاب العزيز. وهي كالآتي: