ابن أبي كبشة؛ انظرُوا السُّفَّار، فإن رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحرٌ سحركم به. قال: فسُئل السُّفَّار - قال: وقد قدموا من كل وِجْهَةٍ، فقالوا: رأينا) (١)
وأما الأمر الثاني ممَّا يخرق دعوى الامتناع: أَنَّ العلوم الفلكية الحديثة قد أثبتت وقوع الانشقاق في أَجْرَامٍ سماويّة؛ كالمُذَنَّبَات. فقد رصد علماءُ الفلك المُحدَثِين انشقاقَ مُذَنَّب "بروكس" شِقّين، سنة (١٨٨٩ م) وكذلك انقسام مُذَنَّب " بيلا " إلى جزءين، سنة (١٨٦٤ م)(٢) فوقوع هذا الانشقاق ينفي الغرابة عن انشقاق القمر الواقع في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولعلّ إشكالًا ينقدح في مُخيّلة بعضهم؛ حاصلُه = إذا كان الانشقاق قد وقع في هذه المُذَنَّبات والكواكب، فما وجهُ الإعجازِ حينئذٍ في انشقاق القمر لنبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -؟
فيُقال: وَجْهُ الإعجازِ: أنّ هذين المُذَنَّبَين انشقّا ولم يلتئما، وأما القمرُ فالآية فيه التئامُه بعد انشقاقه؛ بيانًا لقدرة الله تعالى، وتصديقًا لنبيه - صلى الله عليه وسلم -.
ثم؛ إنّ الأبحاث الفلكيَّة: أثبتت نقيض تلك التصورات الساذجة للكون؛ نظرًا لقصور معارفهم، ومحدودية حواسهم. فلقد كان الفلاسفة الأقدمون يظنون أن العالَم بهيئته هذه منذ الأزل؛ بناءً على أَصلهم الفاسد الذي يقضي بأنَّ الله -تعالى الله- علة تامة والكون معلول له، فلا يمكن
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٢٧/ ٨٥)، و البيهقي في "دلائل النبوة" (٢/ ٢٦٦) (٢) انظر: "عوالم بلا نهاية" للعالم الفلكي " سبنسر جونز "، نقلًا عن: "الرُّسُل والرسالات" للدكتور عمر الأشقر (١٣٥)