وأنا أُوْرِدُ نُكَتاً نافِعَةً - إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى - قدْ كانَ يَنْبَغِي لِمُصَنِّفي كُتُبِ الصَّحابةِ أنْ يُتَوِّجُوها بها مُقَدِّمينَ لها في فواتِحِها:
إحْداها: اختلَفَ أهلُ العِلْمِ في أنَّ الصَّحابيَّ مَنْ (١)؟ فالمعروفُ مِنْ طريقةِ أهلِ الحديثِ أنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رأى رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ مِنَ الصحابةِ. قالَ البُخَارِيُّ في " صحيحهِ ": ((مَنْ صَحِبَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أوْ رآهُ مِنَ المسْلِمِيْنَ فَهُوَ مِنَ أصْحَابِهِ)) (٢). وبَلَغَنا عَنْ أبي الْمُظَفَّرِ السَّمْعانيِّ الْمَرُوزِيِّ أنَّهُ قالَ:((أصْحابُ الحديثِ يُطْلِقُونَ اسمَ الصَّحابةِ عَلَى كُلِّ مَنْ رَوَى عنهُ حديثاً أو كَلِمةً، ويَتَوَسَّعُونَ حَتَّى يَعدُّونَ مَنْ
رآهُ رُؤْيةً، مِنَ الصحابةِ؛ وهذا لِشَرَفِ مَنْزِلَةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أعطَوا كُلَّ مَنْ رآهُ حُكْمَ الصُّحْبَةِ)). وذَكَرَ أنَّ اسمَ الصحابِيِّ مِنْ حيثُ اللغَةُ والظَّاهِرُ: يقعُ عَلَى مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وكَثُرَتْ مُجالَسَتُهُ لهُ عَلَى طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخْذِ عنهُ. قالَ:((وهذا طريقُ الأُصُولِيِّيْنَ)) (٣).
قلتُ: وقَدْ رُوِّيْنا عَنْ سَعِيْدِ بنِ المسَيِّبِ أنَّهُ كانَ: ((لاَ يَعُدَّ الصَّحابِيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مَعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَنَةً وسَنَتَيْنِ وغَزَا معهُ غَزْوَةً أوْ غَزْوَتَيْنِ)) (٤)، وكأنَّ المرادَ بهذا - إنْ صَحَّ عنهُ - راجعٌ إلى المحْكِيِّ عَنِ الأُصُولِيِّيْنَ، ولَكِنْ في عبارتِهِ ضيقٌ يُوجِبُ أنْ لا يُعَدَّ مِنَ
(١) في (م): ((من هو؟)). (٢) صحيح البُخَارِيّ ٥/ ٢ قبيل (٣٦٤٩)، وأورده الخطيب مسنداً في الكفاية: (٩٩ ت - ٥١ هـ). (٣) انظر مثلاً: مختصر ابن الحاجب ٢/ ٦٧، والمستصفى ١/ ١٦٥، وإحكام الأحكام ١/ ٢٧٥، وفواتح الرحموت ٢/ ١٥٨، وظفر الأماني: ٣٠٤ قال ابن الملقن في المقنع ٢/ ٤٩١: ((لكن رجح ابن الحاجب الأصولي الأول، وعبر بقوله: ((من رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدل من رأي، وما رجحه موافق للمعروف عِنْدَ المحدّثين، ويدخل في تفسيره ابن أم مكتوم الأعمى وغيره ... بخلاف الأول. انظر: منتهى الوصول لابن الحاجب: ٨١. (٤) أسنده إليه الخطيب في الكفاية: (٩٩ ت، ٥٠ هـ) من طريق ابن سعد عن الواقدي محمد بن عمر، عن طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: كان سعيد يقول: فذكره. وهذا سند ضعيف جداً لشدة ضعف الواقدي. قال العراقي في شرح التبصرة ٣/ ١٢ - ١٣: ((ولا يصح هذا عن ابن المسيب، ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي: ضعيف في الحديث)).