عَزَمْت عَلَيْك أَلّا تَنْحَرَ، أَتُرِيدُ أَنْ تُخْفِرَ ذِمّتَك وَلَا مَالَ لَك؟ فَقَالَ قَيْسٌ:
يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، أَتَرَى أَبَا ثَابِتٍ وَهُوَ يَقْضِي دَيْنَ النّاسِ، وَيَحْمِلُ الْكُلّ [ (١) ] ، وَيُطْعِمُ فِي الْمَجَاعَةِ، لَا يَقْضِي سِقَةَ تَمْرٍ لِقَوْمٍ مُجَاهَدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ! فَكَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَلِينَ لَهُ وَيَتْرُكُهُ حَتّى جَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: اعْزِمْ عَلَيْهِ! فَعَزَمَ عَلَيْهِ فَأَبَى عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ. فَبَقِيت جَزُورَانِ مَعَهُ حَتّى وَجَدَ الْقَوْمُ الْحُوتَ، فَقَدِمَ بِهِمَا قَيْسٌ الْمَدِينَةَ ظُهْرًا يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهَا، وَبَلَغَ سَعْدٌ مَا كَانَ أَصَابَ الْقَوْمُ مِنْ الْمَجَاعَةِ فَقَالَ: إنْ يَكُنْ قَيْسٌ كَمَا أَعْرِفُهُ فَسَوْفَ يَنْحَرُ لِلْقَوْمِ.
فَلَمّا قَدِمَ قَيْسٌ لَقِيَهُ سَعْدٌ فَقَالَ: مَا صَنَعْت فِي مَجَاعَةِ الْقَوْمِ حَيْثُ أَصَابَهُمْ؟
قَالَ: نَحَرْت. قَالَ: أَصَبْت، انْحَرْ! قَالَ: ثُمّ مَاذَا؟ قَالَ: نَحَرْت. قَالَ:
أَصَبْت! قَالَ: ثُمّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمّ نَحَرْت. قَالَ أَصَبْت، انْحَرْ! قَالَ:
ثُمّ مَاذَا؟ قَالَ: نَهَيْت. قَالَ: وَمَنْ نَهَاك؟ قَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ أَمِيرِي. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنّهُ لَا مَالَ لِي وَإِنّمَا الْمَالُ لِأَبِيك، فَقُلْت:
أَبِي يَقْضِي عَنْ الْأَبَاعِدِ، وَيَحْمِلُ الْكُلّ [ (١) ] ، وَيُطْعِمُ فِي الْمَجَاعَةِ، وَلَا يَصْنَعُ هَذَا بِي! قَالَ: فَلَك أَرْبَعُ حَوَائِطَ [ (٢) ] . قَالَ: وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا. قَالَ:
وَأَتَى بِالْكِتَابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَشَهِدَ فِيهِ، وَأَتَى عُمَرُ فَأَبَى أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ- وَأَدْنَى حَائِطٍ مِنْهَا يَجُذّ خَمْسِينَ وَسْقًا. وَقَدِمَ الْبَدَوِيّ مَعَ قَيْسٍ فَأَوْفَاهُ سِقَتَهُ وَحَمّلَهُ وَكَسَاهُ،
فَبَلَغَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلُ قَيْسٍ فَقَالَ: إنّهُ فِي بَيْتِ جُودٍ.
حَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كيسان، عن جابر بن عبد الله،
[ (١) ] فى الأصل: «ويحمل فى الكل» .[ (٢) ] الحوائط: البساتين. (السيرة الحلبية، ج ٢، ص ٣١٦) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute