عَلَيْهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْت لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ، وَلَوْ قَدْ دَخَلْت عَلَى النّجَاشِيّ وَسَأَلْته إيّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْت عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ سُرّتْ قُرَيْشٌ وَكُنْت قَدْ أَجْزَأَتْ [ (١) ] عَنْهَا حِينَ قَتَلْت رَسُولَ مُحَمّدٍ. قَالَ:
فَدَخَلْت عَلَى النّجَاشِيّ فَسَجَدْت لَهُ كَمَا كُنْت أَصْنَعُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي! أَهْدَيْت لِي مِنْ بِلَادِك شَيْئًا؟ قَالَ: فَقُلْت: نَعَمْ أَيّهَا الْمَلِكُ، أَهْدَيْت لَك أَدَمًا كَثِيرًا. ثُمّ قَرّبْته إلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ، وَفَرّقَ مِنْهُ أَشْيَاءَ بَيْنَ بِطَارِقَتِهِ، وَأَمَرَ بِسَائِرِهِ فَأُدْخِلَ فِي مَوْضِعٍ، وَأَمَرَ أَنْ يَكْتُبَ وَيَحْتَفِظُ بِهِ. فَلَمّا رَأَيْت طِيبَ نَفْسِهِ قُلْت: أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّي قَدْ رَأَيْت رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدَك وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوّ لَنَا، قَدْ وَتَرَنَا وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا وَخِيَارَنَا فَأُعْطِنِيهِ فَأَقْتُلْهُ! فَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفِي ضَرْبَةً ظَنَنْت أَنّهُ كَسَرَهُ، وَابْتَدَرَ مِنْخَارِي، فَجَعَلْت أَتَلْقَى الدّمَ بِثِيَابِي، وَأَصَابَنِي مِنْ الذّلّ مَا لَوْ انْشَقّتْ بِي الْأَرْضُ دَخَلْت فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ.
ثُمّ قُلْت لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، لَوْ ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ مَا فَعَلْت مَا سَأَلْتُك. قَالَ:
وَاسْتَحْيِي وَقَالَ: يَا عَمْرُو، تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَك رَسُولَ رَسُولِ اللهِ- مَنْ يَأْتِيهِ النّامُوسُ الْأَكْبَرُ الّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَاَلّذِي كَانَ يَأْتِي عِيسَى بن مَرْيَمَ- لِتَقْتُلَهُ؟
قَالَ عَمْرٌو: وَغَيّرَ اللهُ قَلْبِي عَمّا كُنْت عَلَيْهِ، وَقُلْت فِي نَفْسِي: عَرَفَ هَذَا الْحَقّ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ وَتُخَالِفُ أَنْتَ؟ قُلْت: أَتَشْهَدُ أَيّهَا الْمَلِكُ بِهَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، أَشْهَدُ بِهِ عِنْدَ اللهِ يَا عَمْرُو فَأَطِعْنِي وَاتّبَعَهُ، وَاَللهِ إنّهُ لَعَلَى الْحَقّ، وَلَيَظْهَرَنّ عَلَى كُلّ [ (٢) ] دِينٍ خَالَفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ. قُلْت:
أَفَتُبَايِعُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فبسط يده فبايعته على الإسلام،
[ (١) ] أجزأت عنها: أى كفيتها. (شرح أبى ذر، ص ٣٢٧) .[ (٢) ] فى ابن كثير عن الواقدي: «على من خالفه» . (البداية والنهاية، ج ٤، ص ٢٣٧) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute