أَقْبَلَ إلَيْهِ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو، عَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ شَاهِرًا سَيْفَهُ، فَعَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَاءً فِي رُمْحِهِ وَقَالَ: امْضِ حَتّى تَلْحَقَك الْخُيُولُ، إنّا عَلَى أَثَرِك. قَالَ الْمِقْدَادُ: فَخَرَجْت وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ الشّهَادَةَ، حَتّى أُدْرِكَ أُخْرَيَاتِ الْعَدُوّ، وَقَدْ أَذَمّ [ (١) ] بِهِمْ فَرَسٌ لَهُمْ فَاقْتَحَمَ فَارِسُهُ وَرَدَفَ أَحَدَ أَصْحَابِهِ، فَآخُذُ الْفَرَسَ الْمُذِمّ فَإِذَا هُوَ ضَرَعٌ [ (٢) ] ، أَشْقَرُ، عَتِيقٌ، لَمْ يَقْوَ عَلَى الْعَدْوِ، وَقَدْ غَدَوْا عَلَيْهِ مِنْ أَقْصَى الْغَابَةِ فَحَسِرَ، فَأَرْبِطُ فِي عُنُقِهِ قِطْعَةَ وَتَرٍ وَأُخَلّيهِ، وَقُلْت: إنْ مَرّ بِهِ أَحَدٌ فَأَخَذَهُ جِئْته بِعَلَامَتِي فِيهِ. فَأُدْرِكُ مَسْعَدَةَ فَأَطْعَنُهُ بِرُمْحٍ فِيهِ اللّوَاءُ، فَزَلّ الرّمْحُ وَعَطَفَ عَلَيّ بِوَجْهِهِ فَطَعَنَنِي وَآخُذُ الرّمْحَ بِعَضُدِي فَكَسَرْته، وَأَعْجَزَنِي هَرَبًا، وَأَنْصِبُ لِوَائِي فَقُلْت: يَرَاهُ أَصْحَابِي.
وَيَلْحَقُنِي أَبُو قَتَادَةَ مُعَلّمًا بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَسَايَرْته سَاعَةً وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى دُبُرِ مَسْعَدَةَ، فَاسْتَحَثّ فَرَسَهُ فَتَقَدّمَ عَلَى فَرَسِي، فَبَانَ سَبْقُهُ فَكَانَ أَجْوَدَ مِنْ فَرَسِي حَتّى غَابَ عَنّي فَلَا أَرَاهُ. ثُمّ أَلْحَقُهُ فَإِذَا هُوَ يَنْزِعُ بُرْدَتَهُ، فَصِحْت: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: خَيْرًا أَصْنَعُ كَمَا صَنَعْت بِالْفَرَسِ.
فَإِذَا هُوَ قَدْ قَتَلَ مَسْعَدَةَ وَسَجّاهُ بِبُرْدَةٍ. وَرَجَعْنَا فَإِذَا فَرَسٌ فِي يَدِ عُلْبَةَ بْنِ زَيْدٍ الْحَارِثِيّ، فَقُلْت: فَرَسِي هَذَا وَعَلَامَتِي فِيهِ! فقال: تعالى إلَى النّبِيّ، فَجَعَلَهُ مَغْنَمًا.
وَخَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ عَلَى رِجْلَيْهِ يَعْدُو لِيَسْبِقَ الْخَيْلَ مِثْلَ السّبُعِ.
قَالَ سَلَمَةُ: حَتّى لَحِقْت الْقَوْمَ فَجَعَلْت أَرْمِيهِمْ بِالنّبْلِ، وَأَقُولُ حِينَ أَرْمِي: خُذْهَا مِنّي وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ! فَتَكِرّ عَلَيّ خَيْلٌ مِنْ خيلهم، فإذا
[ (١) ] أذمت ركاب القوم أى أعيت وتأخرت عن جماعة الإبل. (الصحاح، ص ١٩٢٦) .[ (٢) ] الضرع: الضعيف. (الصحاح، ص ١٢٤٩) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute