بَلَى وَاَللهِ، مَا لُمْت نَفْسِي فِي عَدَاوَتِك، وَلَقَدْ الْتَمَسْت الْعِزّ فِي مَكَانِهِ [ (١) ] ، وَأَبَى اللهُ إلّا أَنْ يُمَكّنَك مِنّي، وَلَقَدْ قَلْقَلْت كُلّ مُقَلْقَلٍ [ (٢) ] ، وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلْ اللهُ يُخْذَلْ. ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ: يَا أَيّهَا النّاسُ، لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللهِ! قَدْرٌ وَكِتَابٌ، مَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ! ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ، ثُمّ أُتِيَ بِغَزّالِ بْنِ سَمَوْأَلٍ فَقَالَ: أَلَمْ يُمَكّنْ اللهُ مِنْك؟ قَالَ: بَلَى يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَمَرَ بِهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. ثُمّ أُتِيَ بِنَبّاشِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَدْ جَابَذَ [ (٣) ] الّذِي جَاءَ بِهِ حَتّى قَاتَلَهُ فَدَقّ الّذِي جَاءَ بِهِ أَنْفَهُ فَأَرْعَفَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلّذِي جَاءَ بِهِ: لِمَ صَنَعْت بِهِ هَذَا؟ أَمَا كَانَ فِي السّيْفِ كِفَايَةٌ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَابَذَنِي لِأَنْ يَهْرُبَ. فَقَالَ: كَذَبَ وَالتّوْرَاةِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَوْ خَلّانِي مَا تَأَخّرْت عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ قَوْمِي حَتّى أَكُونَ كَأَحَدِهِمْ. قَالَ: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْسِنُوا إسَارَهُمْ، وَقَيّلُوهُمْ، وَأَسْقُوهُمْ حَتّى يُبْرِدُوا فَتَقْتُلُوا مَنْ بَقِيَ، لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرّ الشّمْسِ وَحَرّ السّلَاحِ- وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا.
فَقَيّلُوهُمْ وَأَسْقَوْهُمْ وَأَطْعِمُوهُمْ، فَلَمّا أَبْرَدُوا رَاحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ مَنْ بَقِيَ، وَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ إحْدَى خَالَاتِهِ، وَكَانَتْ قَدْ صَلّتْ الْقِبْلَتَيْنِ وَبَايَعَتْهُ، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ لَهُ انْقِطَاعٌ إلَيْهَا وَإِلَى أَخِيهَا سَلِيطِ بْنِ قَيْسٍ وَأَهْلِ الدّارِ، وَكَانَ حِينَ حُبِسَ أَرْسَلَ إلَيْهَا أَنْ كَلّمِي مُحَمّدًا فِي تَرْكِي، فَإِنّ لِي بِكُمْ حُرْمَةً، وَأَنْتِ إحْدَى أُمّهَاتِهِ، فَتَكُونَ لَكُمْ عِنْدِي يَدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ رسول الله صلّى الله
[ (١) ] فى ب: «فى مظانه» .[ (٢) ] أى ذهبت فى كلى وجه فى البلاد. (أساس البلاغة، ص ٧٨٨) .[ (٣) ] جابذ: مقلوب جاذب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute