فَحَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ السّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا أَرْسَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُرْسِلَنِي إلَيْهِمْ، دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى حُلَفَائِك، فَإِنّهُمْ أَرْسَلُوا إلَيْك مِنْ بَيْنِ الْأَوْسِ.
قَالَ: فَدَخَلْت عَلَيْهِمْ وَقَدْ اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ، فَبَهَشُوا [ (١) ] إلَيّ وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ، نَحْنُ مَوَالِيك دُونَ النّاسِ كُلّهِمْ. فَقَامَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ فَقَالَ: أَبَا بَشِيرٍ، قَدْ عَلِمْت مَا صَنَعْنَا فِي أَمْرِك وَأَمْرِ قَوْمِك يَوْمَ الْحَدَائِقِ وَبُعَاثٍ، وَكُلّ حَرْبٍ كُنْتُمْ فِيهَا. وَقَدْ اشْتَدّ عَلَيْنَا الْحِصَارُ وَهَلَكْنَا، وَمُحَمّدٌ يَأْبَى يُفَارِقُ حِصْنَنَا حَتّى نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ. فَلَوْ زَالَ عَنّا لَحِقْنَا بِأَرْضِ الشّامِ أَوْ خَيْبَرَ، وَلَمْ نَطَأْ لَهُ حُرّا [ (٢) ] أَبَدًا، وَلَمْ نُكْثِرْ عَلَيْهِ جَمْعًا أَبَدًا. قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: أَمّا مَا كَانَ هَذَا مَعَكُمْ، فَلَا يَدَعُ هَلَاكَكُمْ- وَأَشَرْت إلَى حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ. قَالَ كَعْبٌ: هُوَ وَاَللهِ أَوْرَدَنِي ثُمّ لَمْ يُصْدِرْنِي.
فَقَالَ حُيَيّ: فَمَا أَصْنَعُ؟ كُنْت أَطْمَعُ فِي أَمْرِهِ، فَلَمّا أَخْطَأَنِي آسَيْتُك بِنَفْسِي، يُصِيبُنِي مَا أَصَابَك. قَالَ كَعْبٌ: وَمَا حَاجَتِي إلَى أَنْ أُقْتَلَ أَنَا وَأَنْتَ وَتُسْبَى ذَرَارِيّنَا؟ قَالَ حُيَيّ: مَلْحَمَةٌ وَبَلَاءٌ كُتِبَ عَلَيْنَا. ثُمّ قَالَ كَعْبٌ: مَا تَرَى، فَإِنّا قَدْ اخْتَرْنَاك عَلَى غَيْرِك؟ إنّ مُحَمّدًا قَدْ أَبَى إلّا أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ، أَفَنَنْزِلُ [ (٣) ] ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَانْزِلُوا- وَأَوْمَأَ إلَى حَلْقِهِ، هُوَ الذّبْحُ. قَالَ: فَنَدِمْت فَاسْتَرْجَعْت، فَقَالَ لِي كَعْبٌ: مَا لَك يَا أَبَا لُبَابَةَ؟
فَقُلْت: خُنْت اللهَ وَرَسُولَهُ. فنزلت وإنّ لحيتي لمبتلّة من الدموع،
[ (١) ] بهشوا إلى: أسرعوا إلى. (النهاية، ج ١، ص ١٠١) .[ (٢) ] الحرا، بالفتح والقصر: جناب الرجل. (النهاية، ج ١، ص ٢٢٢) .[ (٣) ] فى ب: «فننزل» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute