جِئْتُكَ وَافِدًا عَلَى مِنْ وَرَائِي، فَارْدُدِ الْجَيْشَ، وَأَنَا لَكَ بِقَوْمِي، فَرَدَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم قيس بن سعد بن صُدُورِ قَنَاةَ، وَخَرَجَ الصُّدَائِيُّ، إِلَى قَوْمِهِ، فَقَدِمَ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلا مِنْهُمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْهُمْ يَنْزِلُوا عَلَيَّ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، فَحَبَاهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ وَكَسَاهُمْ، ثُمَّ رَاحَ بِهِمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلامِ وَقَالُوا: نَحْنُ لَكَ عَلَى مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَفَشَا فِيهِمُ الإِسْلامُ، فَوَافَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مِائَةَ رَجُلٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. ذَكَرَ هَذَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ بَعْضِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ.
وَذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ أَنَّهُ الَّذِي قَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: ارْدُدِ الْجَيْشَ وَأَنَا لَكَ بِقَوْمِي فَرَدَّهُمْ، قَالَ: وَقَدِمَ وَفْدُ قَوْمِي عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: «يَا أَخَا صُدَاءٍ إِنَّكَ لَمُطَاعٌ فِي قَوْمِكَ» ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ رَسُولِهِ. وَكَانَ زِيَادٌ هَذَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ: فَاعْتَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ سَارَ لَيْلا- وَاعْتَشَيْنَا مَعَهُ، وَكُنْتُ رَجُلا قَوِيًّا، قَالَ: فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ، وَلَزِمْتُ غَرْزَهُ [١] ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ قَالَ: أَذِّنْ يَا أَخَا صُدَاءٍ فَأَذَّنْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا، فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: «يَا أَخَا صُدَاءٍ هَلْ مَعَكَ مَاءٌ» قُلْتُ: مَعِي شَيْءٌ فِي إِدَاوَتِي، قَالَ: «هاته» فجئت به، فقال: «صب» فصبت ما في الأدواة فِي الْقَعْبِ، وَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَتَلَاحَقُونَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ عَلَى الإِنَاءِ، فَرَأَيْتُ بَيْنَ كُلِّ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَيْنًا تَفُورُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَخَا صُدَاءٍ لَوْلا أَنِّي أَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا» ثُمَّ تَوَضَّأَ وَقَالَ: «أَذِّنْ فِي أَصْحَابِي، مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِالْوُضُوءِ فَلْيَرِدْ» قَالَ: فَوَرَدُوا مِنْ آخِرِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ بِلالٌ يُقِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» فَأَقَمْتُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا، وَكُنْتُ سَأَلْتُهُ قَبْلُ أَنْ يُؤَمِّرَنِي عَلَى قومي ويكتب لي بِذَلِكَ كِتَابًا فَفَعَلَ، فَلَمَّا سَلَّمَ- يُرِيدُ مِنْ صلاته- قام رجل يتشكى مِنْ عَامِلِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ أَخَذَنَا بِذُحُولٍ [٢] كَانَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خَيْرَ فِي الإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ» ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكِلْ قَسْمَهَا إِلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ حَتَّى جَزَّأَهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ جُزْءًا مِنْهَا أَعْطَيْتُكَ، وَإِنْ كُنْتَ غَنِيًّا عَنْهَا فَإِنَّمَا هُوَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ، وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ»
[ (١) ] أي ركابه.[ (٢) ] أي حقد وثأر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute