حَتَّى نَزَلَ الْعَشِيرَةَ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ، فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الأُولَى وَلَيَالِي مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، وَوَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، وَفِيهَا
كَنَّى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا: أَبَا تُرَابٍ حِينَ وَجَدَهُ نَائِمًا هُوَ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسٍر وَقَدْ عَلَقَ بِهِ تُرَابٌ، فَأَيْقَظَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ له: «مالك أَبَا تُرَابٍ» لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُحَدِّثُكُمَا بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى هَذِهِ» - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ «حَتَّى يَبُلَّ مِنْهَا هَذِهِ»
وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ- وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَحَمَلَ لِوَاءَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ أَبْيَضَ، وَخَرَج فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ: فِي مِائَتَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمَّنِ انْتَدَبَ، وَلَمْ يُكْرِهْ أَحَدًا عَلَى الْخُرُوجِ، وَخَرَجُوا عَلَى ثَلاثِينَ بَعِيرًا يَعْتَقِبُونَهَا، وَخَرَجَ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ حِينَ أَبْدَأَتْ إِلَى الشَّامِ، فَكَانَ قَدْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِقُفُولِهَا مِنْ مَكَّةَ فيها أَمْوَالُ قُرَيْشٍ، فَبَلَغَ ذَا الْعَشِيرَةِ، وَهِيَ لِبَنِي مُدْلجٍ بِنَاحِيَةِ الْيَنْبُعِ، وَبَيْنَ يَنْبُعَ وَالْمَدِينَةِ تِسْعَةَ بردٍ، فَوَجَدَ الْعِيرَ الَّتِي قَدْ خَرَجَ إِلَيْهَا قَدْ مَضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ، وَهِيَ الْعِيرُ الَّتِي خَرَجَ إِلَيْهَا حِينَ رَجَعَتْ مِنَ الشَّامِ، فَكَانَتْ بِسَبَبِهَا وَقْعَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى.
غَزْوَةُ بَدْرٍ الأولى
قال ابن إسحق: [ولم] [١] يُقِمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ إِلَّا ليال قَلَائِلَ، لا تَبْلُغُ الْعَشْرَ، حَتَّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ عَلَى سَرْحِ [٢] الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في طَلَبِهِ حَتَّى بَلَغَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ سفوانُ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ، وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ فَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهَا فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، وَحَمَلَ اللِّوَاءَ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: وَالسَّرْحُ ما رعوا من نعمهم.
[ (١) ] وردت في الأصل: فلم، وما أثبتناه نص ابن هشام في السيرة.[ (٢) ] السرح: الإبل والمواشي التي تسرح للراعي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute