عليه وسلم فأذن لهم، فمضوا حتى انتهوا إلى أطمة (١) فتقدمهم أبو نائلة فهتف بكعب، وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: محارب (٢)، وإن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة! فقال:
إنه أبو نائلة، لو وجدني نائماً ما أيقظني. فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر! فقال كعب: لو يدعى الفتى لطعنة أجاب!
فنزل فتحدث معه ساعة (٣) وقال له: هل لك يا ابن الأشرف في أن نتماشى إلى شعب العجوز (٤) فنتحدث به بقية ليلتنا؟ فمشى وهو ينشد كلمته:
وقد استخفى أصحابه بظل النخل، ثم قال له أبو نائلة: ويحك يا ابن الأشرف، إني جئتك لحاجة أذكرها لك، فاكتم علي. قال: أفعل. فقال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل، حتى ذهب العيال، وجهدت الأنفس! فقال كعب: أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما كنت أقول لك! فقال سلكان: إني أردت أن تبيعنا طعاماً ونرهنك ونوثق لك ونحسن في ذلك.
فقال: ترهنوني أبناءكم؟ فقال له سلكان: لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحاباً لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن إليهم
(١) الأطمة: بناء مرتفع كالحصن. (٢) في السيرة: «إنك امرؤ محارب». (٣) السيرة: «فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه»، والكلام هنا يقتضى «معه»، فإن أصحاب أبي نائلة كانوا مستخفين بظل النخل، كما سيأتي في س ٩. (٤) موضع بظاهر المدينة قتل عنده كعب. معجم البلدان. (٥) طبقات الشعراء ٢٣٨ تحقيق محمود شاكر والمرزباني ٣٤٣. وفي الأغانى ١٩: ١٠٥ - ١٠٦ أبيات من القصيدة.