الرَّابْعَةُ- التِّمْثَالُ عَلَى قِسْمَيْنِ: حَيَوَانٌ وَمَوَاتٌ. وَالْمَوَاتُ عَلَى قِسْمَيْنِ: جَمَادٌ وَنَامٍ، وَقَدْ كَانَتِ الْجِنُّ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ جَمِيعَهُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ:" وَتَماثِيلَ". وَفِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ: أَنَّ التَّمَاثِيلَ مِنَ الطَّيْرِ كَانَتْ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ. فَإِنْ قِيلَ: لَا عُمُومَ لِقَوْلِهِ:" وَتَماثِيلَ" فَإِنَّهُ إِثْبَاتٌ فِي نَكِرَةٍ، وَالْإِثْبَاتُ فِي النَّكِرَةِ لَا عُمُومَ لَهُ، إِنَّمَا الْعُمُومُ فِي النَّفْيِ فِي النَّكِرَةِ. قُلْنَا: كَذَلِكَ هُوَ، بَيْدَ أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَنَ بِهَذَا الْإِثْبَاتِ فِي النَّكِرَةِ مَا يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" مَا يَشاءُ" فَاقْتِرَانُ الْمِشْيَئةِ بِهِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَجَازَ الصُّوَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا؟ قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ وَنُسِخَ ذَلِكَ بِشَرْعِنَا كَمَا بَيَّنَّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: لَمْ يَكُنِ اتِّخَاذُ الصُّوَرِ إذ ذاك محرما. الخامسة- ومقتضى الأحاديث يدل على أَنَّ الصُّوَرَ مَمْنُوعَةٌ، ثُمَّ جَاءَ (إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا «١» فِي ثَوْبٍ) فَخُصَّ مِنْ جُمْلَةِ الصُّوَرِ، ثُمَّ ثَبَتَتِ الْكَرَاهِيَةُ فِيهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ فِي الثَّوْبِ: (أَخِّرِيهِ عَنِّي فَإِنِّي كُلَّمَا رَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا). ثُمَّ بِهَتْكِهِ «٢» الثَّوْبَ الْمُصَوَّرَ عَلَى عَائِشَةَ مَنَعَ مِنْهُ، ثُمَّ بِقَطْعِهَا لَهُ وِسَادَتَيْنِ تَغَيَّرَتِ الصُّورَةُ وَخَرَجَتْ عَنْ هَيْئَتِهَا، فَإِنَّ جَوَازَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنِ الصُّورَةُ فِيهِ مُتَّصِلَةَ الْهَيْئَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةَ الْهَيْئَةِ لَمْ يَجُزْ، لِقَوْلِهَا فِي النُّمْرُقَةِ الْمُصَوَّرَةِ: «٣» اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَمَنَعَ مِنْهُ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ. وَتَبَيَّنَ بِحَدِيثِ الصَّلَاةِ إِلَى الصُّوَرِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الرَّقْمِ فِي الثَّوْبِ ثُمَّ نَسَخَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ. فَهَكَذَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. السَّادِسَةُ- رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالٌ طَائِرٌ وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَوِّلِي هَذَا فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا). قَالَتْ: وَكَانَتْ لَنَا قَطِيفَةٌ كُنَّا نَقُولُ عَلَمُهَا حَرِيرٌ، فَكُنَّا نَلْبَسُهَا. وَعَنْهَا قَالَتْ: دُخِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ «٤» فِيهِ صُورَةٌ، فَتَلَوَّنَ وجهه،
(١). الرقم: النقش والوشي. [ ..... ](٢). الهتك: الخرق والشق.(٣). النمرقة (بضم النون والراء وبكسرهما وبغير هاء): الوسادة.(٤). القرام: الستر الرقيق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute