يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَبَّلَ سُرَّةَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَالَ: أُقَبِّلُ مِنْكَ مَا كَانَ رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ مِنْكَ. فَلَوْ كَانَتِ السُّرَّةُ عَوْرَةً مَا قَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَا مَكَّنَهُ الْحَسَنُ مِنْهَا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ فَعَوْرَةٌ كُلُّهَا إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. عَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ العلم. وقد قال النبي صلى: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلْيَنْظُرْ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا). وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ كَشْفُهُ فِي الْإِحْرَامِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام: كشيء مِنَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ حَتَّى ظُفْرَهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَحْوُهُ. وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُهُ- يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ- يُسْأَلُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ كَيْفَ تُصَلِّي؟ فَقَالَ: تُغَطِّي رَأْسَهَا وَقَدَمَيْهَا، لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ، وَتُصَلِّي كَمَا تُصَلِّي الْحُرَّةُ. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَالْعَوْرَةُ مِنْهَا ما تحت ثديها، وَلَهَا أَنْ تُبْدِيَ رَأْسَهَا وَمِعْصَمَيْهَا. وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ لَهَا كَشْفُ رَأْسِهَا وَصَدْرِهَا. وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ الْإِمَاءَ عَلَى تَغْطِيَتِهِنَّ رُءُوسَهُنَّ وَيَقُولُ: لَا تَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إِنِ انْكَشَفَ فَخِذُهَا أَعَادَتِ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: كُلُّ شي مِنَ الْأَمَةِ عَوْرَةٌ حَتَّى ظُفْرَهَا. وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ وَيَدَاهَا وَوَجْهُهَا مَكْشُوفٌ ذَلِكَ كُلُّهُ، تُبَاشِرُ الْأَرْضَ بِهِ. فَالْأَمَةُ أَوْلَى، وَأُمُّ الْوَلَدِ أَغْلَظُ حَالًا مِنَ الْأَمَةِ. وَالصَّبِيُّ الصَّغِيرُ لَا حُرْمَةَ لِعَوْرَتِهِ. فَإِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى حَدٍّ تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ وَتُشْتَهَى سَتَرَتْ عَوْرَتَهَا. وَحُجَّةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قول تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ «١» ". وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ: مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فقالت: تصلي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا. وَالَّذِينَ أَوْقَفُوهُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمِّهِ «٢» عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(١). راجع ج ١٤ ص ٢٤١.(٢). في ب: عن أبيه. وقد روى عن أبيه وأمه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute