الثَّانِيَةُ- وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْيَهُودَ حَكَّمَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِمُقْتَضَى مَا فِي التَّوْرَاةِ. وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ ابْنَيْ صُورِيَّا، وَأَنَّهُ سَمِعَ شَهَادَةَ الْيَهُودِ وَعَمِلَ بِهَا، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِحْصَانِ. فَهَذِهِ مَسَائِلُ أَرْبَعٌ. فَإِذَا تَرَافَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إِلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ مَا رَفَعُوهُ ظُلْمًا كَالْقَتْلِ وَالْعُدْوَانِ وَالْغَصْبِ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَمَنَعَهُمْ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَتَرْكِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا رَأَى الْإِعْرَاضَ [عَنْهُمْ] «١» أَوْلَى، فَإِنْ حَكَمَ حَكَمَ [بَيْنَهُمْ] «٢» بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي الْحُدُودِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَكَمِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ" [المائدة: ٤٩] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ [بَعْدُ] «٣»، احْتَجَّ مَالِكٌ بقوله تعالى:" فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ" [المائدة: ٤٢] وَهِيَ نَصٌّ فِي التَّخْيِيرِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا جَاءَ الْأَسَاقِفَةُ وَالزَّانِيَانِ فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ، لِأَنَّ إِنْفَاذَ الْحُكْمِ حَقٌّ لِلْأَسَاقِفَةِ. وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ: لَا يُلْتَفَتُ إِلَى الْأَسَاقِفَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الأصح، لان مسلمين لَوْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا لَنَفَذَ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَا الْحَاكِمِ. فَالْكِتَابِيُّونَ بِذَلِكَ أَوْلَى. وَقَالَ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ إِنَّمَا كَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِيسَى عَنْهُ إِنَّمَا نَزَعَ بِهِ لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الزَّانِيَيْنِ كَانَا مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ أَوْ فَدَكَ، وَكَانُوا حَرْبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاسْمُ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ بُسْرَةُ، وَكَانُوا بَعَثُوا إِلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ لَهُمُ اسْأَلُوا مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا، فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِغَيْرِ الرَّجْمِ فَخُذُوهُ] مِنْهُ [«٤» وَاقْبَلُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِهِ فَاحْذَرُوهُ «٥»، الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ مَجِيئُهُمْ بِالزَّانِيَيْنِ وَسُؤَالُهُمْ عَهْدًا وَأَمَانًا، وَإِنْ لَمْ يكن عهد وذمة ودار لكان لَهُ حُكْمُ الْكَفِّ عَنْهُمْ وَالْعَدْلِ فِيهِمْ، فَلَا حُجَّةَ لِرِوَايَةِ عِيسَى فِي هَذَا، وَعَنْهُمْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:" سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ" وَلَمَّا حَكَّمُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ الرُّجُوعُ، فَكُلُّ مَنْ حَكَّمَ رَجُلًا فِي الدِّينِ وَهِيَ: الثَّالِثَةُ- فَأَصْلُهُ هَذِهِ الْآيَةُ. قال مالك: إذا حكم رَجُلًا فَحُكْمُهُ مَاضٍ وَإِنْ رُفِعَ إِلَى قَاضٍ أَمْضَاهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا. وَقَالَ سحنون: يمضيه إن رآه] صوابا [«٦». قال
(١). من ج وهـ وع. [ ..... ](٢). من ع وك.(٣). من ك وع.(٤). من ج وك وهـ وع.(٥). من ك وع.(٦). من ع وك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute