ورَهَجِهم، إلا وأعقب ذلك من حزن أهلها ونكبتهم وحلولِ المصائب بساحتهم ما لا يفي بذلك السرور من غير إبطاء، وسَلِ الوجودَ يُنبِئْك عن حوادثه، والعاقل مَن اعتبر بغيره.
الوجه العاشر: أن رفع الأصوات بالذكر المشروع مكروه، إلا حيث جاءت به السنّة، كالأذان والتلبية، وفي الصحيح (١) عن أبي موسى قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فكنا إذا علونا ارتفعت أصواتنا بالتكبير، فقال:"يا أيها الناس ارْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تَدْعُون أصمَّ ولا غائباً، إنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقربُ إلى أحدكم من عُنُقِ راحلته". وقد قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[الأعراف: ٥٥]، وقال:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}[الأعراف: ٢٠٥]، وقال تعالى:{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}[مريم: ٣].
وقال الحسن البصري:"رفع الصوت بالدعاء بدعة"(٢). ونص عليه الإمام أحمد وغيره. وقال قيس بن عُبَاد من كبار التابعين:"كانوا يستحبون خفض الصوت عند الذكر وعند الجنائز وعند القتال"(٣).
(١) البخاري (٢٩٩٢، ٦٦١٠) ومسلم (٢٧٠٤). (٢) أخرجه عنه ابن المبارك في الزهد (١٤٠) والطبري في تفسيره (١٠/ ٢٤٧، ٢٤٨) بلفظ: "كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما سُمِع لهم صوتٌ". (٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٢/ ٤٦٢).