ومذهبُ مالك وأبي حنيفة -رحمهما الله- أنَّهُ لا شيء -بعد فرائض الأعيان من أعمال البر- أفضل من العلم ثم الجهاد" (١).
رابعها: إنما قال: "سَأَلْتَ عن عَظِيمٍ"، لأنَّ عِظَمَ المُسَبِّبات بِعِظَم الأسباب (٢)، ودخول الجنة والتباعد عن النار أمرٌ عظيم، سببه: امتثال المأمور واجتناب المحظور، وذلك عظيمٌ صَعبٌ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمَا قال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ: ١٣]، {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف: ١٧].
ثم قال: "وإِنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَن يسَّرَهُ الله عليه" بِشَرْحِ الصَّدرِ للطَّاعةِ، وتهيِئَةِ أَسبابِها، والتوفيق لها:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}[الأنعام: ١٢٥]، وبالجملةِ: فالتَّوفيقُ إذا ساعَدَ على شيء يُسِّرَ، ولو كان نقل الجبالِ.
خامِسُها: قوله: "كُفَّ عَلَيكَ هَذَا" لفظَةُ "على" إِمَّا بمعنى "عن" أو أنه ضمن "كف" بمعنى: احبس، أي: احبس عليك لسانك، لا يؤذيك بالكلام. وفي الحكمة (٣): "لِسَانُكَ أَسَدُكَ، إِن أَطْلَقْتَهُ فَرَسَكَ، وَإِنْ أَمْسَكْتَهُ حَرَسَكَ". وكان الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - يُمْسِكُ لِسانَهُ ويقول: "هذا الذي أَوْرَدَني المَوَارِد" (٤).
(١) لم أقف على هذا النص في كتابه المشار إليه، وقد ذكره الفاكهاني في "المنهج المبين" (٤٥٣). (٢) في الأصل: "لأن عظم اللسان تعلم الأسباب"! وهو من تحريفات الناسخ، والمؤلف أخذ الكلام من "التعيين" (٢٢٠) ومنه صوَّبنا الخطأ وبالله التوفيق. (٣) في الأصل: "الجملة" والتصويب من "التعيين" (٢٢٤)، وبعدها في الأصل: "أسيرك" بدل "أسدك" والتصويب من نفس المصدر. (٤) رواه ابن المبارك في "الزهد" (١٢٥ رقم ٣٦٩)، ومالك في "الموطأ" (٢/ ٥٨٦ رقم ٢٨٢٥)، وابن وهب في "الجامع" (١/ ٤٢٣ رقم ٣٠٨)، (٢/ ٥٢٠ رقم ٤١٢)، ووكيع في "الزهد" (٢/ ٥٥٦ رقم ٢٨٧)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف" (٨/ ٥٨٩ رقم=