ثانيها: هذا الحديثُ عليهِ مَدَارُ الإسلام، وَوَجْهُهُ: أنَّ أفعال العبد إمَّا أن يستحي منها أَوْ لَا.
فالأوَّل: يشمل الحرام والمكروه، وتركُهُمَا هو المشروع.
والثاني: يَشْمَلُ ما في الأحكام الخمسة: الوجوب والندب والإباحة، وفِعْلُها مَشْرُوعٌ في الأوَّلَيْن، شائعٌ (١) في الثالث، وهذه أحكام الأفعال الخمسة، وهو شَبِيهٌ بالحديث الآتي:"الإثْم: مَا حاكَ في نَفْسِكَ"(٢).
ثالثها: قوله -عليه الصلاة والسلام-: "فاصْنعَ مَا شِئتَ" هل هو خَبَرٌ أو نَهْيٌ؟ كقوله:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}[فصلت: ٤٠]، {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ}[النحل: ٥٥]، "أشْهِدْ على هَذَا غَيْرِي"(٣)، و"مَنْ باعَ الخَمْرَ فلْيُشَقِّص (٤) بالخَنَازِير"(٥)،
(١) في "التعيين" (١٦٨): "جائز" وله وجه. (٢) هو الحديث (٢٧) من الأربعين. (٣) رواه مسلم (٣/ ١٢٤٣ رقم ١٦٢٣/ ١٧) من حديث النُّعمان بن بشير - رضي الله عنهما - بهذا اللفظ. وأصل القصة في "الصحيحين". (٤) في الأصل "فليستقض" والتصويب من كافة مصادر التخريج. (٥) رواه أحمد (٣٠/ ١٥٤ رقم ١٨٢١٤)، وأبو داود (٣/ ٤٨٩ رقم ٣٤٨٩)، وابن أبي شيبة (٧/ ٤٤٣ رقم ٢١٩١٨)، والحميدي (٢/ ٣٣٥ رقم ٧٦٠)، والطيالسي (٢/ ٧٦ رقم ٧٣٥)، والدارمي (٢/ ١٣٣٤ رقم ٢١٤٧)، والطبراني في "الكبير" (٢٠/ ٣٧٩ رقم ٨٨٤)، و"الأوسط" (٨/ ٢٤٥ رقم ٨٥٣٢)، وابن أبي حاتم في "العلل" (٢/ ٥٦ رقم ١١٥٢)، والبيهقي في "الكبرى" (٦/ ١٢) عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -. والحديث فيه عمر بن بيان التغلبي مجهول. قال أحمد في "العلل" (٢/ ٧): "لا أعرفه". وقال الطبراني في "الأوسط": "لا يُروى هذا الحديث عن المغيرة إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به طلحة بن عمرو" يعني الراوي عن عمر بن بيان. وقال ابن حجر: "مقبول" ["التقريب" (٧١٤ رقم ٤٩٠٣)، يعني: حين يُتابع وإلَّا فليِّن الحديث، والحديث لم يُتابع عليه. فائدة: قال ابن الأثير في "النهاية" (٢/ ٤٩٠): "" ... فليُشَقِّص الخنازير" أي: فليُقَطعها قِطَعًا ويُفَصِّلْها أعضاءً كما تُفصَّل الشاة إِذا بيعَ لَحمُها. يُقال: شَقَصه يُشَقِّصهُ، وبه سُمِّي القَصَّاب مُشَقِّصًا. المعنى: مَن استَحَلَّ بيعَ الخمر فليسْتَحِل بيع الخنزير، فإنهُما في التَّحريم سواءٌ، وهذا لفظُ أَمْرٍ معناهُ النَّهي، تقديرهُ: مَن باعَ الخمرَ فليَكُنْ للخَنَازير قصَّابًا".