وهذا ضَرَبَهُ مَثَلًا محسُوسًا؛ لتكونَ النَّفسُ لها أشد تصورًا، فَتَتَأَدَّبُ معهُ، كما يُتأدبُّ مع الأكابر، فَكُلُّ مَلِكٍ له حِمى يحميه من الناس، ويمنعهم من دخوله، فمن خالف ودَخَله عاقَبَهُ، فالرَّبُّ -جَلَّ وتعالى- حماه: محارِمُهُ التي حرَّمَها، كالجرائم علي النَّفس والمال والعِرض، وتُطْلَق المَحَارِمُ علي المَنْهِيَّات قَصْدًا، وعلى تركِ المأموراتِ استِلْزَامًا، وإطلاقها علي الأول أشهر، وقد حرَّمَ إبراهيم مكَّةَ، وحرَّمَ الشارع المدينة، وحمى عمر الشرق والرَّبذة.
و"يوشِكُ" -بِكَسر الشين- مضارع "أوشَكَ" -بفتحها- وهي مِن أفعال المقاربة والملابسة، ومعناها هنا: يقعُ في الحرام بسُرْعَةٍ وقُرْبٍ.
(١) هو كُليب بن ربيعة بن الحارث، وكان سيِّد ربيعةَ في زمانه، وقد بلغَ مِن عِزِّه أنه كان يحمي الكلأ فلا يُقرَبُ حِماه، ويُجير الصَّيد فلا يُهاج! وكان إذا مرَّ بروضةٍ أعجبتهُ أو غديرٍ ارتَضَاهُ أَخَذَ كُليبًا ورَمَى به هناك فحيثُ بلغَ عواؤهُ كان حِمى لا يُرْعَى، وكان اسم "كليب بن ربيعة" وائِلًا؛ فلَمَّا حَمَى كُلَيْبَهُ المَرْمِيُّ الكلأَ قيل: أعزُّ مِن كُلَيْبِ وائلٍ، ثم غلب هذا الاسم عليه حتى ظنُّوه اسمه، ويقال: "حمى كليب". انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (٢/ ٣٨٨). (٢) هذا البيت لجرير، انظر "ديوانه" (٧٧).