وقد ذكر سبحانه في هذه الآية حكمتين من حكم إنزال القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
إحداهما: أن يبين للناس ما نزل إليهم في هذا الكتاب من الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، ونحو ذلك. وقد بين هذه الحكمة في غير هذا الموضع أيضًا، كقوله:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ}[النحل: ٦٤]، وقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء: ١٠٥].
الحكمة الثانية: هي التفكر في آياته والاتعاظ بها، كما قال هنا:{وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. وقد بين هذه الحكمة في غير هذا الموضع أيضًا. كقوله: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)} [ص: ٢٩]، وقوله:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢]، وقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)} [محمد: ٢٤] إلى غير ذلك من الآيات" (١).
وقال الإمام الطبري -رحمه الله-: "مما أنزل الله من القرآن على نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ ما لا يُوصل إلى علم تأويله إلا ببيانِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وذلك تأويلُ جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه ونَدْبِه وإرْشاده-، وصنوفِ نَهيه، ووظائف حقوقه وحدوده , ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعضَ خَلْقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيهِ التي لم يُدرَك علمُها إلا ببيانِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لأمَّتهِ، وهذا وجهٌ لا يجوز لأحدِ القولُ فيه إلا ببيانِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- له تأويلَه، بنصٍّ منه عليه، أو بدلالة قد نصَبها، دالَّةٍ أمَّتَه على تأويله" (٢).
وقال الشاطبي-رحمه الله-: "السنة إنما جاءت مبينة للكتاب وشارحة لمعانيه, ولذلك قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، وقال: {يَاأَيُّهَا