(عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود - رضي الله عنه -؛ أنه (قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ) التالية، وهي قوله تعالى:({لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ})؛ أي: إثم، ({فِيمَا طَعِمُوا})؛ أي: فيما شَرِبوا من الخمر، وأكلوا من مال القمار في وقت الإباحة قبل التحريم.
وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١): قوله تعالى: {طَعِمُوا} أصل هذه اللفظة في الأكل، يقال: طَعِم الطعام، وشَرِب الشراب، لكن قد تُجُوِّز في ذلك، فيقال: لَمْ أطعم خبزًا، ولا ماءً، ولا نومًا، قال الشاعر [من المتقارب]:
({إِذَا مَا اتَّقَوْا}) الشرك، ({وَآمَنُوا}) بالله - عَزَّ وَجَلَّ - (إِلَى آخِرِ الآيَةِ)؛ يعني: قوله تعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بعد الإيمان، {ثُمَّ اتَّقَوْا} الخمر والميسر بعد التحريم، {وَآمَنُوا} بتحريمهما، {ثُمَّ اتَّقَوْا} سائر المحرّمات، أو الأولُ عن الشرك، والثاني عن المحرّمات، والثالث عن الشبهات. {وَأَحْسَنُوا} إلى الناس، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} هكذا قال النسفيّ في "تفسيره"(٣).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله تعالى: {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية، فيه أربعة أقوال:
الأول: أنه ليس في ذِكر التقوى تكرار، والمعنى: اتقوا شُربها، وآمنوا بتحريمها، ومعنى الثاني: دام اتقاؤهم، وإيمانهم، والثالث على معنى الإحسان إلى الاتّقاء.
والثاني: اتقوا قبل التحريم في غيرها من المحرمات، ثم اتقوا بعد تحريمها شُربها، ثم اتقوا فيما بقي من أعمارهم، وأحسنوا العمل.