"صحيحه" من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال:"وكانوا يُعطون قبل الفطر بيوم، أو يومين". وأخرج ابن خزيمة في "صحيحه" من طريق عبد الوارث، عن أيوب، قلت:"متى كان ابن عمر يُعطي؟ قال: إذا قعد العامل، قلت: متى يقعد العامل؟ قال: قبل الفطر بيوم، أو يومين"، ولمالك في "الموطأ" عن نافع: أن ابن عمر كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي يُجمَع عنده قبل الفطر بيومين، أو ثلاث، وأخرجه الشافعيّ، عنه، وقال: هذا حسن، وأنا أستحبّه -يعني: تعجيلها قبل يوم الفطر- انتهى (١).
فقوله:"وكانوا يعطون" دليل على أن هذا عمل الصحابة جميعًا؛ لما تقرّر في علمي الحديث، والأصول، أن قول الصحابيّ: كنا نفعل كذا وكذا حكمه الرفع، وإن لم يقيّد بعصر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على المرجح المختار، قاله الحافظ وليّ الدين رحمهُ اللهُ، وإلى هذا أشار السيوطيّ رحمهُ اللهُ في "ألفية الحديث"، حيث قال:
ويدلّ على ذلك أيضًا -كما قال الحافظ- ما أخرجه البخاريّ في "كتاب الوكالة"، وغيره، من "صحيحه" عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال:"وكّلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان … " الحديث، وفيه أنه أمسك الشيطان ثلاث ليالي، وهو يأخذ من التمر، فإنه يدلّ على أنهم كانوا يعجّلونها، وعكس الجوزقيّ، فاستدلّ به على جواز تأخيرها عن يوم الفطر، قال الحافظ: وهو محتملٌ للأمرين. انتهى (٢).
والحاصل أن الحقّ هو جواز تقديمها على يوم العيد بيوم، أو يومين، كما صحّ ذلك عن الصحابة -رضي الله عنهم-، مع أن الظاهر اطلاعه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وتقريره لهم، وهذا هو الدليل الصحيح الواضح، وأما حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المذكور، فدلالته على مسألتنا محلّ نظر، فليتأمّل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.