وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه سعد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [دعوةُ ذي النون إذْ دعا وهو في بطن الحوت: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: ٨٧]. فإنه لم يَدْعُ بها رجُلٌ مُسْلِمٌ في شيء قطُّ إلا استجابَ اللَّه له] (١).
وقوله تعالى:{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}. أي اصطفاه ربه واختاره وقبل دعاءه وعذره وجعله من المستكملين لصفات الصلاح. قال ابن عباس:(ردّ اللَّه إليه الوَحي، وشفَّعه في نفسه وفي قومه، وقبِل توبته، وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى مئة ألف أو يزيدون).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن مَتّى](٢).
قال ابن عباس:(يقول: ينفذونك بأبصارهم من شدة النظر. قال: يقال للسهم: زهق السهم أو زلق). وفي رواية:(يقول: ليزهقونك بأبصارهم). وقال قتادة:(لينفذونك بأبصارهم، معاداة لكتاب اللَّه ولذكر اللَّه). وقال الضحاك:(يقول: ينفذونك بأبصارهم من العداوة والبغضاء). وقال الكلبي:(ليصرعونك).
وقرأها عامة قراء المدينة {لَيُزْلِقُونَكَ} بفتح الياء، وأما عامة قراء الكوفة والبصرة فقرؤوها {ليُزلقونك} بضم الياء، وكلاهما مشهور عند أهل العلم بالقراءات، فإن العرب تقول لمن يحلق الرأس: أزلقه وزلقه.
وقال ابن جرير:(إنه عُني بذلك: وإن يكاد الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد، ويصرعونك، كما تقول العرب: كاد فلان يصرعني بشدة نظره إليّ. قالوا: وإنما كانت قريش عانوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليصيبوه بالعين، فنظروا إليه ليعينوه، وقالوا: ما رأينا رجلًا مثله، أو إنه لمجنون، فقال اللَّه لنبيه عند ذلك: (وإن يكاد الذين كفروا ليرمونك بأبصارهم).
قلت: والعجيب أن هؤلاء الجاهليين كانوا يؤمنون بإصابة العين وتأثيرها،
(١) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (٣٥٠٥). وانظر صحيح سنن الترمذي -حديث رقم- (٢٧٨٥). (٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٤١٦)، (٤٦٣١)، ومسلم (٢٣٧٩)، وأبو داود (٤٦٦٩)، وابن حبان (٦٢٣٨). ورواه أحمد (١/ ٣٩٠) من حديث عبد اللَّه مرفوعًا.