من الحرام إلى الحلال، ومن الضّيق إلى السّعة، ومن النار إلى الجنة).
وقوله:{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}. أي من جهةٍ لا تخطر بباله. قال قتادة:(من حيث لا يرجو ولا يؤمل). وفي الأثر عن أبي ذر قال:(إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم -تلا-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} فما زال يكررها ويعيدها) (١).
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إن اللَّه لا يظلم مؤمنًا حسنته، يعطى بها (وفي رواية: يثاب عليها الرزق في الدنيا) ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها للَّه في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها] (٢).
وقوله:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. أي: ومن يفوِّض أموره إلى اللَّه، ويحسن الاعتماد عليه -سبحانه- فهو كافيه ما أهمه وما أغمّه.
قال الإمام أحمد:(التوكل عمل القلب). وقال سهل:(التوكل الاسترسال مع اللَّه مع ما يريد). وقيل:(هو علم القلب بكفاية الرب للعبد).
قلت: ولا يستقيم التوكل إلا من أهل العمل ومواجهة القدر بالقدر، وإلا كان عجزًا وكسلًا. وقد امتدح اللَّه المؤمنين بهذه الصفة العالية فقال جل ثناؤه:{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[إبراهيم: ١٢]. وقال جل ذكره:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: ١٥٩].
ومن كنزو السنة العطرة في آفاق ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لَوْ أنّكُم كنْتم تَوَكّلُون على اللَّه حق توكلِه لَرُزِقْتُم كما تُرْزَقُ الطيرُ، تَغْدو خِماصًا، وتروح بِطانًا](٣).
الحديث الثاني: أخرج أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [من نزلت به فاقةٌ، فأنزلَها بالناس، لَمْ تُسَدَّ فاقَتُه،
(١) أخرجه الحاكم (٢/ ٤٩٢)، والبيهقي في "الشعب" (١٣٣٠) مرفوعًا، ولا يصح رفعه كما قال الهيثمي (٩١٣٠) ففيه انقطاع. والأشبه أن يكون موقوفًا. (٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨/ ١٣٥)، وأحمد (٣/ ١٢٥). وانظر السلسلة الصحيحة (٥٣). (٣) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (٢٣٤٤)، وابن ماجة (٤١٦٤). انظر صحيح الترمذي (١٩١١).