بذلك من يومئذ، في حين كذبته قريش وسخر من الحدث المشركون.
ففي صحيح البخاري عن جابر، أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:[لما كذبني قريش قمتُ في الحجر فجلّى اللَّه لي بيت المقدس، فطفِقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه](١).
وقوله تعالى:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}. قال عبد اللَّه بن مسعود:(رأى جبريل عليه السلام له ست مئة جناح) - رواه البخاري ومسلم كما سبق بتمامه. وعن قتادة:({مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: رأى جبريل في صورته التي هي صورته. قال: وهو الذي رآه نزلة أخرى).
وقوله تعالى:{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}. قال ابن جرير:(أفتجادلون أيها المشركون محمدًا على ما يرى مما أراه اللَّه من آياته).
وقوله تعالى:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}. {نَزْلَةً} مصدر في محل نصب حال، والتقدير: ولقد رآه نازلًا نزلةً أخرى. قال القرطبي:(فقوله: {نَزْلَةً أُخْرَى} يعود إلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه كان له صعودٌ ونزول مرارًا بحسب أعداد الصلوات المفروضة، فلكل عَرْجَةٍ نزلة. وعلى هذا قوله تعالى:{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} أي ومحمد عند سدرة المنتهى وفي بعض تلك النزلات). وقال النسفي:({نَزْلَةً أُخْرَى} مرة أخرى من النزول. أي: نزل عليه جبريل عليه السلام نزلة أخرى في صورة نفسه فرآه عليها وذلك ليلة المعراج).
وفي الصحيحين والمسند وجامع الترمذي عن مسروق قال: [كنت عند عائشة فقلت: أليس اللَّه يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}؟ فقالت: أنا أوّلُ هذه الأمة سألَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها، فقال: إنما ذاك جبريل. لم يَرَهُ في صورته التي خُلِقَ عليها إلا مَرَّتين. رآه مُنْهبِطًا من السماء إلى الأرض، سادًّا عظمُ خَلْقِهِ ما بينَ السماء والأرض] (٢).
وقوله تعالى:{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}. السدرة: شجرة النبق في السماء السابعة، والمنتهى بمعنى موضع انتهاء علوم الخلائق. قال كعب: (إنها سدرة في أصل العرش، إليها ينتهي علم كل عالم، مَلك مقرّب أو نبيّ مرسل، ما خلفها غيب لا يعلمه إلا
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧١٠) - كتاب التفسير. وكذلك (٣٨٨٦)، ورواه مسلم. (٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٦١٢)، (٤٨٥٥)، ومسلم (١٧٧/ ٢٨٧)، والترمذي (٣٠٦٨)، والنسائي في "التفسير" (٤٢٨ - ٤٢٩)، وأحمد (٦/ ٢٤١).