أخرج الإمام أحمد من حديث أنس -في نزول سورة الفتح مرجعه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الحديبية وأصحابه يخالطون الحزن والكآبة- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لقد أنزلت عليَّ آيتان هما أحبّ إليّ من الدنيا جميعًا. قال: فلما تلاهما قال رجل: هنيئًا مريئًا يا رسول اللَّه قد بيّن لك ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل اللَّه عز وجل الآية التي بعدها {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}] (١).
ورواه البخاري عن أنس أيضًا: [{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قال: الحديبيةُ، قال أصحابه: هنيئًا مريئًا فما لنا؟ فأنزل اللَّه {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}] (٢).
قال القرطبي:({وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} أي: بإيصال الهموم إليهم بسبب عُلُوّ كلمة المسلمين، وبأن يسلط النبيّ عليه السلام قَتْلًا وأَسْرًا واسترقاقًا. {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} يعني ظنهم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يرجع إلى المدينة، ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية، وأن المشركين يستأصلونهم. كما قال:{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا}[الفتح: ١٢]).
وقوله:{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}. أي: بالتعذيب في الدنيا بمختلف أنواع الوقائع، كالقتل والسبي والأسْر والإهانة والإذلال، وفي الآخرة بعذاب النار.
وقوله:{وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ}. أي: وسخط اللَّه عليهم فلا سبيل إلى سعادة
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٣/ ١٢٢)، (٣/ ١٣٤)، (٣/ ١٥٣)، وانظر صحيح مسلم (١٧٨٦). (٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤١٧٢) - كتاب المغازي، وانظر كذلك (٤٨٣٤).