ففي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن أبي زُرعة عن أبي هريرة قال:[جلس جبريل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملكُ ما نزل منذ خُلِقَ قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك: أمَلِكًا أجعلك أم عبدًا رسولًا؟ قال له جبريل: تواضع لربك يا محمد! فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا، بل عبدًا رسولًا](١).
وأما قوله:{أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، فهو كما كُلِّم موسى -عليه السلام- فإنه سأل الرؤية بعد التكليم، فحُجِبَ عنها.
وفي جامع الترمذي وسنن ابن ماجة عن جابر قال: [لقيني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟ فقلت: يا رسول اللَّه! استشهد أبي وترك عيالًا ودينًا. فقال: ألا أبشرك بما لقي اللَّهُ به أباكَ؟ قال: بلى يا رسول اللَّه، قال: ما يكلم اللَّه أحدًا قط إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك فكلمه كفاحًا (٢). فقال: تمنّ عليّ أعطيكَ] الحديث (٣). وفي لفظ ابن ماجة:[ما كلم اللَّه أحدًا إلا من وراء حجاب. وكلم أباك كِفاحًا].
قال ابن كثير:(ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا).
وقوله:{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}. أي: كما ينزل جبريل وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم السلام. قال السدي:(جبرائيل يأتي بالوحي).
وقوله:{إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} قال ابن جرير: {إِنَّهُ} يعني نفسه جل ثناؤه: ذو علوّ على كل شيء وارتفاع عليه واقتدار. {حَكِيمٌ} يقول: ذو حكمة في تدبيره خلقه).
وقوله:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}. يعني القرآن، أوحيناه إليك يا محمد، وحيًا وَرَحْمَة من أمرنا. فعن قتادة، عن الحسن، في قوله:{رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} قال: (رحمة من أمرنا). وقال السدي:(وحيًا من أمرنا). وإنما سمّاه روحًا لأنه تحيا به القلوب الميتة. قال الشهاب:(فهو استعارة أو مجاز مرسل، لما فيه من الهداية والعلم الذي هو كالحياة).
(١) حديث صحيح. رواه أحمد في المسند (٢/ ٢٣١)، وابن حبان بسند صحيح. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (١٠٠٢). (٢) كفاحًا: أي مواجهة. (٣) حديث صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجة (٢٢٥٨)، وصحيح سنن الترمذي (٢٤٠٨).