وقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في "المسند" بإسناد صحيح عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا: [ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، وويل لأقماع القول، وويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون](١).
قال الزمخشري: (من المجاز "ويل لأقماع القول" وهم الذين يستمعون ولا يعون). فشبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعلمون به بالأقماع -جمع قِمْع- التي لا تعي شيئًا مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها مجتازًا كما يمر الشراب في القمع.
وقوله:{ذِي الطَّوْلِ}. أي: ذي الفضل والنعم المبسوطة على من شاء من خلقه، ونعمه لا يحصيها أحد. يقال منه: إنّ فلانًا لذو طول على أصحابه إذا كان ذا فضل عليهم.
وعن ابن عباس:(قوله: {ذِي الطَّوْلِ} يقول: ذي السعة والغنى). وقال مجاهد:(الغنى). وقال قتادة:(أي: ذي النعم والفواضل). وقال ابن زيد:(الطول: القدرة). وقال عكرمة:(ذي المَنّ). وقال يزيد بن الأصمِّ:({ذِي الطَّوْلِ}: يعني الخير الكثير).
أي: لا نظير له تعالى في صفاته، وفي تفضله ومنّه وكرمه، وفي مغفرته وعقابه، فأفردوه بالعبادة والتعظيم، والتمسوا المقام بين الخوف والرجاء، فإليه المآل في نهاية الحال.
أي: لا يخاصم في حجج اللَّه وأدلته على وحدانيته إلا الذين جحدوا آياته، فلا يخدعك -يا محمد- تصرّفهم في البلاد ومكثهم فيها مع كفرهم، فإن اللَّه تعالى يمهلهم ليبلغ الكتاب أجله ولتحق عليهم كلمة العذاب.
وعن قتادة:({فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَاد}: أسفارهم فيها ومجيئهم وذهابهم).
(١) إسناده صحيح. أخرج البخاري في "الأدب المفرد" (٣٨٠)، وأحمد (٢/ ١٦٥)، (٢/ ٢١٩)، وأخرجه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (١/ ٤٢). وانظر السلسلة الصحيحة (٤٨٢). والأقماع: جمع قِمْع - الإناء يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع.