قوله: أما في النكاح فقد أوجب الله تعالى على رسوله تخيير نسائه بين اختياره وبين مفارقته واختيار زينة الدنيا، والمعنى فيه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آثر لنفسه الفقر والصبر عليه فأمر بتخييرهن كيلا يكون مكرهًا لهن على الصبر والفقر. انتهى كلامه.
ذكر مثله بعد هذا في الكلام على [الكفاءة](١)، وما ذكره من أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختار الفقر لنفسه، كيف يصح مع ما ثبت في الصحيحين من رواية عائشة أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يتعوذ من الفقر (٢)، وقد ذكر هو هذا الحديث قبل هذا الموضع بأوراق في الكلام على قسم الصدقات، فقال: إنه -عليه السلام- كان يستعيذ من الفقر، وقال:"اللهم أحينى مسكينًا"(٣)، وما ذكره من الدعاء بالمسكنة قد رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد ضعيف ولفظهما:"اللهم أحينى مسكينًا وأمتنى مسكينًا"، قال البيهقي: وقد روي أيضًا في حديث أنس أنه استعاذ من الفقر والمسكنة معًا.
قوله: وهل حرم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلاقهن بعدما اخترنه؟ فيه وجهان: أظهرهما عند الإمام: أنه لا يحرم. انتهى.
وهذا الذي رجحه الإمام هو الصحيح، فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أظهر الوجهين والنووي في أصل "الروضة": إنه الأصح.
(١) في جـ: الكفارة. (٢) أخرجه البخاري (٦٠٠٧) ومسلم (٥٨٩). (٣) أخرجه الترمذي (٢٣٥٢) والبيهقي في "الكبرى" (١٢٩٣١) وفي "الشعب" (١٠٥٠٧) من حديث أنس - رضي الله عنه -. قال الترمذي: هذا حديث غريب. وقال الألباني: صحيح. وأخرجه ابن ماجه (٤١٢٦) وعبد بن حميد (١٠٠٢) والبخاري في "الكنى" (ص/ ٧٥) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - وسنده ضعيف. وأخرجه البيهقي في "الكبرى" (١٢٩٣٠) والطبراني في "الدعاء" (١٤٢٧) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٣٨/ ١٩٤) من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.