أقول: قال الخطابي (١) في شرح هذا الحديث: أوتيت الكتاب ومثله، يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما: أن معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو.
والثاني: أنه الكتاب وحياً، وأوتي من البيان مثله، أي: أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم، ويخص ويزيد عليه ويشرع ما ليس في الكتاب، فيكون في وجوب العمل به ولزومه، فقوله كالظاهر المتلو من القرآن. انتهى.
قلت: وهذا الثاني هو مسألة التفويض المعروفة في أصول الفقه، وفيها خلاف ولا ريب أنه معلوم يقيناً أنه - صلى الله عليه وسلم - أوتي القرآن، وأكثر أحكامه مجملة, ووكل الله إليه البيان، وقال:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}(٢) وانظر في حكم واحد ورد في القرآن في غاية الإجماع ما بينه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}(٣) فإن هذين حكمان ما يعرف قدرهما عدداً ولا كيفية ولا وقتاً، إلا من بيانه - صلى الله عليه وسلم - بأقواله وأفعاله، وأظن - والله أعلم - أنه قد أراد بهذه الطائفة الخوارج (٤) الذين كفروا الصحابة، فلا يقبلون رواية, ويقولون: يكفينا كتاب الله.
(١) في "معالم السنن" (٥/ ١٠ - مع السنن) عند شرح الحديث (٤٦٠٤). (٢) سورة النحل الآية: (٤٤). (٣) سورة البقرة الآية (٤٣). (٤) الخوارج في اللغة: جمع خارج وخارجي اسم مشتق من الخروج، وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهم اللغوية في مادة: "خرج" على هذه الطائفة من الناس معللين ذلك بخروجهم على الدين، أو على الإِمام علي، أو لخروجهم على الناس. "تهذيب اللغة" (٧/ ٥٠) تاج العروس (٢/ ٣٠). والخوارج جمع خارجة وهم الذين نزعوا أيديهم عن طاعة ذي السلطان من أئمة المسلمين، بدعوى ضلاله وعدم انتصاره للحق، ولهم في ذلك مذاهب ابتدعوها وآراء فاسدة اتبعوها. =