الحجارة، يعرفها رسول الله ﷺ وأصحابه، حتى أتوا متضايقًا من ثنية (١)، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري فجلسوا يتضحون (يعني يتغذون) وجلست على رأس قرن (٢) فقال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح (٣). والله ما فارقنا منذ غليس. يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم. أربعة. قال: فصعد إلى منهم أربعة في الجبل. قال: فلما أمكنوني من الكلام. قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم وجه محمَّد ﷺ لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظن. قال: فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله ﷺ يتخللون الشجر (٤).
قال: فهذا أولهم الأخرم الأسدي، على إثره أبو قتادة الأنصاري وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله ﷺ وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته. فالتقى هو وعبد الرحمن، قال فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله ﷺ بعبد الرحمن فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمَّد ﷺ لتبعتهم أعدو على رجلي، حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمَّد ﷺ ولا غبارهم، شيئًا، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء، يقال له ذو قرد، ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلى أعدو وراءهم، فحليتهم عنه (٥)(يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة.
قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدو فألحق رجلًا منهم، فأصكه
(١) الثنية: العقبة والطريق في الجبل. (٢) القرن: جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير. (٣) البرح: الشدة. (٤) يتخللون الشجر: يدخلون من خلالها. (٥) حليتهم عنه: طردتهم عنه.