قَالَ الأصمعي: وتأخرت عَنِ الرشيد ثُمَّ جئته، فقال: كيف كنت يا أصمعي؟
قلت: بت والله بليلة النابغة- فَقَالَ: إنا للَّه هو والله قوله [١] :
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع
فعجبت من دكائه وفطنته لما قصدت.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد بْن مسلم: كَانَ فهم الرشيد فوق فهم العلماء. أنشده العماني فِي وصفة فرس بيت:
كَانَ أذنيه إذا تشرفا ... قادمة أو قلما محرفا
فَقَالَ الرشيد: دع كَانَ، وقل: تخال أذنيه.
وَكَانَ الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين.
أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو العلاء الواسطي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد المزني قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مرة قَالَ: حَدَّثَنَا حسن الأزدي قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن المديني يَقُول: سمعت أبا معاوية يَقُول:
أكلت مَعَ الرشيد طعاما يوما من الأيام فصب عَلَى يدي رجل لا أعرفه، فَقَالَ هارون: يا أبا معاوية تدري من يصب عليك [٢] ؟ وقلت: لا، قَالَ: أنا/ قلت: أنت يَا أَمِيرَ ١٤٥/ أالمؤمنين، قال: نعم إجلالا للعلم [٣] .
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَلِيّ المدبر قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر بْن ابْن المسلمة قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد بْن سويد قَالَ: حدثنا أَبُو علي الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه- يعني ابْن المديني- قَالَ: قَالَ أَبُو معاوية الضرير:
حدثت الرشيد بهذا الحديث- يعني قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وددت إني أقتل فِي سبيل اللَّه ثُمَّ أحيا ثُمَّ أقتل» - فبكى هارون حَتَّى انتحب، ثُمَّ قَالَ: يا أبا معاوية ترى [لي] [٤] أن أغزو؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، مكانك في الإسلام أكبر، ومقامك أعظم،
[١] في ت: «إنما هو قوله» .
[٢] في ت: «على يدك» وكذلك في تاريخ بغداد.
[٣] انظر الخبر في: تاريخ بغداد ١٤/ ٨.
[٤] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد.